«هذا الجيل لا رجاء منه»، عبارة كثيراً ما يقولها البعض في حق أبناء هذا الجيل، ولطالما وجه البعض أصابع الاتهام لأبناء هذا الجيل، فرشقه باتهامات كثيرة كأن يقول: إنه جيل غير مثقف، جيل لا يحب القراءة، ويعزف عن صفحات الكتب، ولا يعرف طريقه للمكتبات، جيل استعاض بوسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات عن الكتاب، حتى بات لا يقدر إلا على كتابة جمل قصيرة، وينفد صبره إذا ما اضطر لقراءة نصوص طويلة، جيل ضل الطريق لمصادر المعرفة فلا يعرف إلا طريق المجمعات التجارية والسينما. جيل اقتصرت ثقافته على معرفة الماركات وشركات الأزياء وفنون وضع مساحيق التجميل وغيرها، فهو جيل مستهلك غير منتج.

ورفعنا راية اليأس، وحكم عليهم أن إمكانياتهم بسيطة متواضعة فهم لا يحبون القراءة، فلن يتعلموا مهارات تحليل النصوص أو نقدها، ولن يجيدوا مهارات الكتابة، وبتنا نتغنى بكفاءة الأجيال السابقة. يأسنا من قدراتهم فقررنا تقليل المحتوى الذي سنعلمهم إياه من مواد تعليمية أو معلومات أو حتى خبرات، فتوقعاتنا منهم محدودة، فلم نتوقع منهم حفظ القصائد الطويلة، والسور القرآنية، والمعلومات والمعارف كمن سبقهم من الأجيال، لأنه جيل مشغول بملاهي الحياة، فلا صبر له على التعلم.

رفعنا راية اليأس!!! فرثينا الشعراء والأدباء الذين لم يخلفوا وريثا لهم، فلم نجد من بينهم وريثا لأحمد شوقي أو لطفي المنفلوطي أو معروف الرصافي، أو عباس محمود العقاد، رفعنا راية اليأس وقلنا جيل عشق اللغة الإنجليزية ونسي اللغة العربية حتى أصبح يتحدث بلغة مختلطة، تحتار حين تسمعه بأي لغة يتحدث، فبات يستخدم لغة مشوهة مخلوطة بين اللغة الإنجليزية واللغة العربية، فالأفلام التي يشاهدها، والألعاب التي يلعبها، والأغاني التي يسمعها، بل وحتى الكتب التي يقرأها كلها باللغة الإنجليزية.

لكن المعادلة انقلبت حينما أثبت أبناؤنا للعالم بأسره أنه يكن بداخله ثروات، وإمكانيات وقدرات يشهد لها العالم، وها قد قبلت نخبة من بنات البحرين التحدي وقلن للعالم نحن بنات البحرين، نصون هويتنا ولغتنا وثقافتنا، نحن بنات البحرين نثبت للعالم أن صبرنا ومثابرتنا على القراءة تفوق أترابنا، نحن بنات البحرين قبلنا التحدي فقرأنا ونافسنا حتى تقلدنا الصدارة في تحدي القراءة.

رفعنا رؤوسنا اعتزازاً عندما رفعت طالبات مدرسة الإيمان أعلام بلادنا زهوا بفوزهن في منافسة تحدي القراءة، وتغنينا بمجد البحرين ويأتي فخرنا بالفوز بهذه الجائزة من أهمية المسابقة نفسها، فمسابقة تحدي القراءة أطلقها، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، بهدف غرس حب القراءة في نفوس جيل الأطفال والشباب في الوطن العربي، وتمكين القراءة في نفوسهم، لتصبح عادة متأصلة في حياتهم، لا مجرد هواية تمارس وقت الفراغ مما يحفز ملكة الفضول ورغبة المعرفة لديهم. بالإضافة إلى أنّ القراءة تدفع الطلاب إلى تنمية مهاراتهم التحليلية والنقدية والتعبيرية، وتعزز قيماً أخلاقية عديدة لديهم كالتسامح والانفتاح الفكري والثقافي، وذلك يتم عبر القراءة التي تعرّفهم بأفكار الكتاب والمفكرين والفلاسفة المتنوعة واعتقاداتهم المختلفة وتجاربهم الغنية والواسعة.

إن فوز إحدى مدارس البحرين بهذه الجائزة يدعونا لأن نقف وقفة إعادة نظر في تقييمنا لقدرات أبنائنا ومدى قدرتهم على التعلم واكتساب المعرفة والمهارات، وقدرتهم على اكتساب الثقافات المختلفة، وبالتالي إعادة النظر في مناهجنا الدراسية وطرق تدريسها، والآليات الموضوعة وبرامج اكتشاف الموهوبين، وتشجيع أبنائنا على المزيد من إنتاج المعرفة مثل نظم الشعر وكتابة القصة، وتوثيق التاريخ، وكتابة التقارير والبحوث النظرية والميدانية، وغيرها من الإنتاج الفكري.

دعونا نسأل أنفسنا، لماذا فازت طالبات هذه المدرسة وتمكن من منافسة طالبات إحدى وأربعين ألف مدرسة، ودعونا نطلع على تجربة المدرسة في تنشئة فتياتهم على حب القراءة والقدرة على فهم ونقد ما يقرأن. ويبقى لنا رجاء، أن تستمر طالبات المدرسة في القراءة، ويستمر القائمات عليها على تحفيزهن على المطالعة حتى لو لم تتقدم المدرسة للمشاركة في مسابقة تحدي القراءة فليس الهدف هو الفوز بالمسابقة بل الهدف الفوز بالمعرفة وبناء الشخصية المحبة للاطلاع والتعلم، ودعونا نفكر جميعنا كمربين ومعدي أجيال، سواء من خلال مؤسسات المجتمع المختلفة، كالمدارس ومؤسسات تنمية الشباب وأولياء أمور في كيفية تنشئة أبنائنا على حب الاطلاع والقراءة باللغة العربية.. وأخيراً ألف تحية لمدرسة الإيمان وألف تحية لبنات البحرين.