أقام منتدى البحرين للكتاب بمركز عيسى الثقافي في رابع فعالياته جلسة نقاشية تولاها الكاتب عبيدلي العبيدلي الذي قدم قراءة تحليلية لكتاب "البترول والتغير الاجتماعي في الخليج العربي" لمؤلفه الباحث د.محمد الرميحي، بحضور عدد من المثقفين والمفكرين والنقاد البحرينيين.

وأوضح العبيدلي أن موضوع الكتاب هو عبارة عن رسالة جامعية، اختير ليكون الإطار العام لمجموعة محاضرات، طرح فيها المؤلف "مؤشرات للتغير الاجتماعي والاقتصادي الذي طرأ على المجموعات الخليجية منذ البترول فحولها إلى أولى درجات التنمية"، وأثر البترول في مجتمعات الخليج، على أساس أنه الفاعل الوحيد للتغير، ولفت المحاضر إلى اختلافه في الرأي مع المؤلف.

وتناول أهمية الكتاب من المنظور الزمني، حيث كتب في منتصف السبعينات، عندما كانت المنطقة تعاني من شح الكتابات عنها، من قبل الباحثين العرب، باستثناء مجموعة من الكتاب المصريين من أمثال العقاد، وسيد نوفل، مشيراً إلى أن الكتاب حمل من الأفكار والاستنتاجات ما هو أقرب لواقع المنطقة، نظرا لكون المؤلف من أبنائها وممن رأوا تطور الأحداث فيها، وتمكنوا من تحديد التحولات التي طرأت عليها بعد اكتشاف النفط بعين محلية خبيرة، مزجت خلفياتها العلمية، بمعرفتها المستقاة من انتمائها لهذه المنطقة، فجاء نتاج ذلك، رؤية أقرب للواقع من تلك القراءات التي سبقتها.


ولفت إلى المعالجة المنهجية للكتاب والتوجهات الفكرية والقومية للكاتب، عندما تناول الأطماع الإيرانية في الخليج، وعلى وجه الخصوص في خاتمته المكثفة التي أشار فيها للعمق العربي لبلدان الخليج العربي، قائلا: إن المؤلف حصر الكتاب في أربع دول من دول الخليج العربي، وهي: الكويت، البحرين، قطر، الإمارات، واستثنى، عمان، والسعودية، حيث إنه في فترة إعداد الكتاب لم يكن مشروع مجلس التعاون الخليجي قد طرح بعد، من جانب، ونظرا لبعض خصوصيات تطور المجتمعين السعودي والعماني من جانب آخر.

وذكر أن الرميحي حدد في كتابه التركيبة السكانية لمنطقة الخليج على أنها قبلية في جذورها التي تكونت من مجموعة من الهجرات المتتابعة التي قدم البعض منها من مناطق متعددة من شبه الجزيرة العربية، في حين وفد عليها الجزء الآخر من الساحل الشرقي للخليج العربي الذي سكنته، هو الآخر قبائل عربية، لافتا أن الرميحي خلص إلى القول، "إن القاسم المشترك لتكونات أصول هذه التجمعات البشرية، هو أنها عربية بدوية المنشأ – راحلة ثم استقرت – علاقاتها القبلية ومن ثم العائلية متينة، احتفظت ببعض ظواهر نشاطاتها الاقتصادية اليدوية – كتربية الإبل والماشية، وتعودت انماطا اقتصادية جديدة ذات جدوى اقتصادية أكبر هي التجارة والغوص على اللؤلؤ".

واعتبر أن الرميحي استعرض في كتابه رحلة استكشاف النفط، بالتفصيل وتطور العلاقة القانونية والتشريعية التي ربطت بين الشركات النفطية العالمية وبلدان الخليج العربي وكونها العامل الرئيس الذي يقف وراء التحولات المجتمعية التي رصدها المؤلف، فيما يسلط الكاتب الضوء في الفصل الثالث على علاقات الإنتاج السائدة في الاقتصاد التقليدي القائم على ثلاثة أنشطة رئيسة، هي: صيد اللؤلؤ والتجارة والزراعة، بالإضافة الى الصناعات الحرفية الأخرى مثل صناعة الفخار، و"تبييض النحاس".

وفرد الكاتب الفصل الرابع لنشأة وتطور الاقتصاد الحديث في الدول الخليجية، ويفتتح هذا الفصل بلفت النظر إلى انتقال الاقتصاد الخليجي ومعه المنطقة، بعد اكتشاف النفط وتصنيعه، من "اقتصاد هامشي محدود جغرافيا"، إلى منطقة تمتلك "سلعة عالمية هامة ومطلوبة، لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاوزها" ثم يتوقف عند التحولات الاجتماعية التي طرأت على المكونات المجتمعية حينها، وفي المقدمة منها ظهور العمال، كقوة مجتمعية ارتبطت، على نحو مباشر مع اكتشاف النفط، ونمت حول الصناعات التي رافقت تلك الصناعة، والتحولات السلوكية للسكان والنمط الاستهلاكي المتسارع الذي بدأ يسيطر على ثقافة سكان تلك المدن.

وخصص الكاتب الفصل السادس للتعليم في الدول الخليجية النفطية، مع الكثير من الإحصاءات التي تكشف التطورات التي عرفتها السياسات التعليمية في تلك الدول، وأثر التعليم في نمو طبقة جديدة لم تكن معروفة في مجتمع الخليج التقليدي، وهي طبقة التكنوقراط، أو الطبقة الوسطى الفنية والوظيفية التي ملكت في يدها اتخاذ القرار الإداري والفني، حيث أصبحت الدولة الخليجية الحديثة معتمدة عليها".

وأنهي الرميحي كتابه بخاتمة مكثفة يخلص فيها إلى أن المجتمعات البشرية تحمل أجنة التغير لكن هذا التغير لا يمكن أن ينتقل من الوضع الاحتمالي إلى الحالة الواقعية ما لم يكن المجتمع مؤهلاً لهذا التغير، أو لديه القابلية للتغير، مؤكدا أنه تغير آتٍ لا محالة، نتيجة لأسباب عدة منها أن المجتمع العربي كالخليج ليس هو بالمجتمع البدائي، فهو صاحب حضارة إسلامية عربية، لها من القواعد والقيم والأعراف ما يمكن به أن تطور نفسها بنفسها ، كما أن وجوده حول ممر مائي حيوي جعله يحتك بخبرات عربية وإقليمية وعالمية كانت ستقوده إلى التطور، كما أنه بدأ فيه بالفعل عندما سمح المجتمع بإنشاء المدارس بمجهودات أهلية.