موسكو - أحمد عطا

أسفرت قرعة كأس العالم لكرة القدم عن ديربي عربي في دوري المجموعات بين مصر والسعودية اللذين يتشاركان المجموعة مع البلد المنظم روسيا إضافة إلى أوروجواي.

في المقابل وقعت تونس والمغرب في مجموعتين من ضمن الأقوى في البطولة حيث سيسعى نسور قرطاج إلى مقاومة الترشيحات التي تصب في مصلحة بلجيكا وإنجلترا بينما يأمل أسود الأطلسي في كسر شوكة الجارتين القويتين إسبانيا والبرتغال بالتأهل عن إحداهما.



قد تكتفي بهذا الخبر عن قرعة كأس العالم لكن extra sport لم تكتفِ بذلك بل قررت التواجد بقوة في قلب الحدث ومشاركة قرائها تجربة مراسلها أحمد عطا الذي ذهب إلى موسكو قبل أقل من 7 أشهر على انطلاق الحدث الكبير ليرصد لكم تلك الفعالية ويرصد لكم موسكو من المنظور العربي.

البداية.. كانت بأن استقليت الطائرة المسافرة من القاهرة إلى إسطنبول لأمضي ساعتين في المطار قبل أن أطير من جديد إلى موسكو لأصطدم بدرجة حرارة 8 درجات تحت الصفر، لكني تذكرت أنه لحسن الحظ لن تكون الجماهير العربية مضطرة لهذا الأمر عندما تصل إلى روسيا في الصيف المقبل لمساندة منتخبات بلادها أو حتى الاستمتاع بالحدث الكبير لمن لم يتأهل منتخبه.

العاصمة الروسية يبلغ تعداد سكانها 12 مليون نسمة ويقال أن حجمها أكبر من القاهرة 4 مرات، ورغم ذلك إلا أن الزحام خانق في الطريق من مطار "فونوكوفو" إلى قلب المدينة حيث أمضيت أكثر من ساعتين للوصول لمحل إقامتي بالقرب من الميدان الأحمر الشهير.. ابتسم سائق التاكسي وأنا أسأله عن سر هذا الزحام مغمغماً بإنجليزيته الضعيفة أن هذا أمر معتاد في موسكو بينما أبديت إعجابي بيني وبين نفسي برخص سعر التاكسي مقارنة بأغلب العواصم الأوروبية الأخرى.

وبعد ترك الحقائب استخدمت صديقي الصدوق "google.maps" للوصول إلى الميدان الشهير والكريملين الأشهر الذي يقع به والذي كان شاهداً على استضافة حدث القرعة في رسالة واضحة من الحكومة الروسية على دعمها للجنة المنظمة للبطولة ورغبتها في خروج الأمر بأفضل شكل ممكن.. بعد عدة دقائق من فشلي في إقناع حارس الأمن بالدخول للمركز الصحافي حتى أتسلم بطاقتي الصحافية ظهرت أخيراً إحدى متطوعات الـ FIFA ممن يتحدثون الإنجليزية لتخبرني بضرورة الذهاب لمتحف قريب حيث يقع مقر تسليم البطاقات.

المتحف القريب كان على بعد 800 متر تقريباً كانوا كـ800 كيلو وسط صقيع لم أعتد عليه لكن في النهاية وصلت إلى هناك لأتسلم البطاقة وأعود إلى المركز الصحافي لأبدأ عملي.

منذ الوهلة الأولى تبدأ في خلق انطباعات.. التنظيم عالٍ وكل شخص يعرف دوره جيداً، لكنك دائماً تتساءل في داخلك عن عدم إجادة الكثير من المتطوعين الروس للغة الإنجليزية وكيف أنه من المنتظر أن يتم اختيارهم بعناية ليقوموا بخدمة الصحافيين والإعلاميين ومساعدتهم في أداء عملهم.

فعلى سبيل المثال كانت هناك قاعة مخصصة للمدن الـ11 التي ستنظم البطولة يقف فيها شاب أو فتاة يحدثك عن مدينته لكنك تفاجأ بأن أغلبهم لا يكاد يستطيع قول جملة إنجليزية كاملة في الوقت الذي تنتظر أن يكون هؤلاء هم خيرة الشباب الروسي القادر على مخاطبة العالم.

مع الوقت تعتاد الصقيع إن قمت بارتداء ملابسك بشكل لا يسمح لهذا الهواء المتحمس لتهشيم عظامك وإرادتك بالوصول لأي مكان سوى جزء يسير من وجهك بينما تسمع بين الحين والآخر من يقول لك أنه ليس عليك إلا أن تستخدم المترو في موسكو للوصول لوجهتك بسرعة بينما تبدأ في التشجع على المشي بشكل أكبر وأنت تشاهد المباني الجميلة ذات نظام الإضاءة الخلاب الذي يغطي شوارع وميادين موسكو استعداداً لأعياد الميلاد وبشكل وتنفيذ يبهر ويسر العين.

تتوالى الفعاليات وتزداد وتيرة العمل بينما تبدأ في التوتر بسبب الأعداد المتزايدة للصحفيين والتي قد تهدد فرصة البعض في حضور حفل القرعة من داخل القاعة.

مارسيل دوسايي يظهر مع ألكساندر كيرجاكوف للإعلان عن تفاصيل مناطق المشجعين بينما تقوم الصحافية الروسية ماريا كومانديانا بالظهور على مسرح الحفل في حدث خاص بالصحافيين لشرح كواليس الحفل لهم وطريقة إجراء القرعة بينما كان مدير مسابقات الـ FIFA يؤكد لـ extra sport أثناء هذا الحدث على أن كل ما يدور في الصحف العالمية أحياناً عن وجود كرات ساخنة وباردة هو مجرد هراء، والحقيقة أنني أوافقه تماماً فكيف لكل هؤلاء النجوم العالميين الذين يسحبون القرعة على أن يتفقا على الصمت ولا يتحمس أحدهم ليكشف مثل هذا الأمر إن كان يحدث.

فرصة من الـ FIFA للحديث مع مساعدي القرعة من اللاعبين العالميين الحاضرين الذي سيسحبون الكرات وفي مقدمتهم حارس إنجلترا الشهير جوردون بانكس صاحب أشهر تصدي في كأس العالم لرأسية بيليه في 1970 ومروراً بكارلس بويول، دييجو فورلان، فابيو كانافارو، كافو، لوران بلان بينما تغيب مارادونا بحجة شعوره بألم في كتفه.

كل هذا الزخم لم يمنع Extra sport من التجول في عاصمة الروس الذين يبدو وأنهم بارعين جدًا في المأكولات البحرية.. لا تفكر كثيرًا في ماهية ما تأكله من مأكولات بحرية فهو بنسبة كبيرة سيكون لذيذًا جدًا!

تتناول طعامك في مطاعمهم التي تعج بالصور والموسيقى الغربية وتبتسم رغماً عنك بعدما تظهر لك ملامح انتصار الثقافة الرأسمالية على الثقافة الشيوعية بعد أن غزا الأمريكان والأوروبيون البلد بمطاعمهم ومحالهم الشهيرة وإن لم يستطيعوا ذلك فإنهم يكتفون بموسيقى الهاوس تنبعث من مكان ما في المطعم أو المقهى.

يخبرك الروس القليلون الذين يجيدون الإنجليزية أن الشتاء لم يبدأ بعد في موسكو وأن درجات الحرارة ما بين الصفر وسالب 10 لا تعد شيئاً كبيراً وتكتشف أنك لم تعد تجن مما يقولونه فقد بدأت في اعتياد الصقيع وبدأ يتحول الأمر إلى تحدِ لذيذ لمقاومتك وفي أوقات كثيرة تنتصر يا أيها العربي الذي عشت أغلب حياتك لم تشاهد جليداً قط.

العد التنازلي نحو حفل القرعة يقل واليوم المنتظر يأتي ليتوافد نجوم كرة القدم الذين أمتعونا في تظاهرة قلما تتكرر بهذا الكم الهائل من النجوم بينما كان الخبر اليقين بحضور EXTRA SPORT كصحيفة عربية وحيدة للحفل من داخل القاعة قد أتى في اليوم السابق.. مارادونا هذه المرة بدون ألم في كتفه يسحب أوروجواي في التصنيف الثاني لمجموعة روسيا بينما يقرر كافو وكنافارو ديربياً عربياً بين مصر والسعودية فيما لم يرحما تونس والمغرب بإلقائهما في غياهب مجموعتين غاية في الصعوبة لكن مايزال الأمل داخل نفوسنا حاضراً.

كان نبيل معلول –الذي بدا عليه أمارات السعادة والضيق معاً - أول من ناديت عليه داخل القاعة من مقصورة الصحافيين لأخبره بأسفي للمجموعة ليبارك لي مجموعة مصر بعدما لاحظ لهجتي المصرية، بينما كان حسام حسن –الذي تلقى دعوة خاصة مع سامي الجابر لحضور القرعة- يتجاذب الحديث مع كلارنس سيدورف لأنادي عليه فيخبرني بأنه لا علاقة لمباراة مصر والسعودية بمواجهة كأس القارات لاختلاف كل العوامل فيما رأى أن مصر بهذه المجموعة بات لديها فرصة لبلوغ الدور الثاني.

انتهت القرعة، ولم يتبقَ لنا سوى يوم واحد قبل مغادرة موسكو لتأتي نصائح بعض الأصدقاء المقيمين في موسكو للجماهير العربية.. لا تشتري ملابس من المجمعات التجارية لغلو سعرها "كنت أنوي ذلك على أية حال بعدما رأيت الأسعار بنفسي" بينما يمكنك التقاط قطع ملابس رخيصة وذات جودة عالية من أسواق "سادوفود" في جنوب شرق عاصمة الروس الذين أسقط جليدهم اثنين من مرعبي هذا الكوكب.. نابليون بونابرت وأدولف هتلر.

كانت هذه كواليس رحلة extra sport إلى موسكو.. استعدوا للصيف المقبل فلم يتبقَ إلا القليل!