قيل عن الرئيس الأمريكي ترامب بعد قراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل بأنه «أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق» وأن قرار ترامب لن يغير عروبة القدس كما أن قراره لن يستطيع مواجهة التاريخ. تاريخ العرب والعروبة وتاريخ القضية وتاريخ شعب لا يمكن أن يُشطب بتوقيع رئيس ينقل سفارة بلاده إلى القدس بهذه البساطة والسذاجة.

لا يمكن أن نستخف بأي جهد سياسي ودبلوماسي عربي ودولي يستنكر ويرفض قرار الرئيس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف، فكل الجهود الرامية لإبطال نقل السفارة في هذه المرحلة مطلوبة وكل الأصوات الكريمة الحرّة الرافضة لقرار ترامب مهمة للغاية، كما أن كل المساعي التي تحاول إفشال المخططات الصهيوينة في جعل القدس عاصمة لإسرائيل تعتبر اليوم ضرورة عربية وإنسانية مُلحَّة ولو من أجل عيون التاريخ الذي لن يرحمنا لو صمتنا عن هذه الجريمة النكراء، ولسوف تلعننا الأجيال القادمة في حال قبلنا برحيل القدس من الذاكرة ومن الأرض لصالح دولة غير شرعية أصلاً، فالقدس عربية بامتياز على الرغم من قرار نقل السفارة الأمريكية إليها، لأن ذلك لن يغير من الأمر شيء.

أقل ما يمكن وصف قرار الرئيس الأمريكي نقل سفارة بلاده إلى القدس واعترافه المُشين بها كعاصمة لإسرائيل بأنه قرار طائش وغير مدروس ومستفز لمشاعر كل العرب بل ومستفز لكل مشاعر شعوب العالم الحرَّ. فلم تقبل أية دولة حتى هذه اللحظة بقرار ترامب ولم يعترف أي شعب حتى هذه اللحظة بتهويد القدس والقفز فوق الوقائع والواقع والتاريخ والجغرافيا، ومن هنا يجب أن يبدأ العرب -حكومات وشعوب- برفض هذا القرار مهما كلف الثمن، وأن تكون المبادرات العربية القوية هي بداية البدايات لقرارات دولية استثنائية تعيد للقدس هيبتها العربية بشكل كامل من أجل إفشال كل المخططات الأمريكية الإسرائيلية الرامية إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كمقدمة سياسية إلى الاعتراف الدولي بها كعاصمة لإسرائيل.

أكثر ما يثلج الصدر في هذا الأمر هي ردود الأفعال العفوية التي صدرت بعد قرار ترامب من كافة الدول والشعوب بمختلف أنحاء العالم، وخروج المسيرات الضخمة المنددة بقرار تافه وسطحي من «دولة كبرى» يجب أن تكون أكثر رويَّة وحكمة من أن تتخذ قراراً مصيرياً أحادي الجانب حتى دون الرجوع لشعبها ولبقية حلفائها من الدول الأخرى والدول العربية الصديقة كما تسميها واشنطن. إن قرار ترامب يعتبر قراراً أهوج للغاية، ليس فيه من الحكمة والدراية شيء، كما أنه سيجر كل المنطقة والعالم لأزمات وصراعات قاسية ليس هو ولا نحن كذلك في حاجة إليها في الظروف الاستثنائية الراهنة. سيظل رفضنا تهويد القدس قراراً إنسانياً قبل كل شيء وسيكون قراراً تاريخياً لتجنب لعنته.