جرت العادة في دول الخليج العربي ومنها البحرين اتباع أسلوب تخويف الأطفال من جيل آبائنا أمام تمردهم وعدم انصياعهم لتوجيهات الكبار، حيناً بـ«أم حمار»، وحيناً بـ«أم الخضر والليف»، ولكن النسخة الحديثة التي طرأت على طفولتنا كانت التهديد بإبرة الطبيب أو بسجن الشرطي..!! «اسكت لا أنادي لك: الدكتور يعطيك إبرة / الشرطي يحطك بالسجن».. سمعت بأذني بعض الآباء والأمهات في طفولتي وهم يثيرون بي حيرة لم تهدأ إلا بعدما كبرت، لماذا يهددون بالطبيب وهو الذي يريد لنا أن نكون أقوياء وبصحة جيدة؟!! ولماذا يهددوننا بالشرطي وهو الذي يحميني إذا تعرض لي أحدهم ويعيد لي ألعابي التي أحبها لو سرقها مني شخص ما؟!! هكذا نشأت وأنا أرى الطبيب قيمة إنسانية عظيمة، والشرطي قيمة إنسانية وأمنية واجتماعية معاً، ولطالما ترسخ في قناعاتي منذ الطفولة أن الشرطي مواطن مخلص وصديق المواطن بل والحامي عنه، غير أن بعض أولياء الأمور –للأسف الشديد– استغلوا مظهر القوة في الشرطة في غير مساره الصحيح. ورغم ذلك فإن ذلك التهديد الذي مر به كثيرون من أبناء جيلي، والخوف الساكن في أعماقهم، لم يردعهم عن تمييز الحقيقة بعدما كبروا.. لتتجلى صورة الشرطي الذي يذود عن الوطن حتى آخر قطرة من دمه.

في سنوات مضت، ربما لم نكن ندرك بما يكفي الدور الحقيقي الذي تلعبه الشرطة في تحقيق الأمن للبلد، لأننا في بلد آمن أصلاً، غير أن التهديدات الأمنية التي اجتاحت المنطقة العربية والشرق أوسطية، كشفت لنا عن حجم الحاجة للأمن الذي لم نتذوق طعم فقدانه يوماً ولله الحمد، كشفت لنا حجم الجهود التي يبذلها رجال الشرطة لإرساء قواعد الأمن في مملكة البحرين، رغم أنهم متوارون في أغلب الأحيان عن الأنظار ويعملون بصمت وبإخلاص وتفانٍ. ولكم أن تسألوا ذوي الشرطة عن حجم التضحيات التي بذلت من أجل الوطن، من وقتهم واستقرار عائلاتهم، من صحتهم وراحتهم، من فقدان متعتهم بحياة طبيعية هادئة كما نحظى بها جميعاً.. أسألوا ذوي الشرطة عن أنواع الإصابات التي تعرض لها أبنائهم في كافة الظروف الأمنية التي اعترت المملكة في السنوات الأخيرة، وعن الأرواح التي أزهقت بين صفوف الشرطة فداءً للوطن وتلبية لنداء الواجب. لنعلم جميعاً كم أننا محظوظون بحياة آمنة رغم أنف كل التهديدات التي تصدى لها الأشاوس من حيث لم يشعرونا بها أصلاً، ومن حيث أننا بتنا نسمع عن تلك المهددات الأمنية ونقرأها في الصحف دون أن نلمس لها وجود لما لقوات الداخلية من قدرة على الضبط والسيطرة على الوضع الأمني والتفاني في استتباب أمن المملكة.

* اختلاج النبض:

حريٌ بنا أن نفخر برجالاتنا الأشاوس.. وأن نهنئهم بيومهم الأغر.. تهنئة منقوعة بزعفران الجنة ومسكها.. لا توفيها الجمل ولا تسعفها الحروف.