خبران في صفحتين متقابلتين بنفس الصحيفة يوم أمس.

الخبر الأول يقول إن المحكمة قضت بحبس شاب يبلغ 20 عاماً لمدة ثلاث سنوات، وذلك بعد أن قام بسرقة ملابس من محل.

بينما يتحدث الخبر الثاني عن اللجنة المالية بمجلس النواب، وكيف أنها متمسكة بإلزامية ديوان الرقابة المالية والإدارية إحالة المخالفات ذات الطبيعة الجنائية إلى النيابة العامة، وأن هذه العملية يجب أن تكون بصفة «الوجوب» لا «الجواز».

مثل نوعية هذه الأخبار التي تحتوي على «مفارقات»، يجد فيها الناس مادة للتحسر والتندر والنقاش، هي أخبار كثيرة، وتكشف عن ملابسات مختلفة معنية بكل قضية، لكن المبدأ في النهاية واحد، وهو ما يتطلع له الناس.

وللتوضيح أكثر حينما أقول إن «المبدأ واحد»، فإنني أعني مبدأ رفض أية تجاوزات يمكن تفسيرها على كونها «سرقة» للمال العام، حتى لو كانت نتيجة استهتار، أو تجاوز إداري، هو حين يقع لا يختلف وقعه عن وقع الجريمة الجنائية بحق البشر، بل بحق الوطن إن كان في موقع عام محسوب على الدولة.

سجن شاب لمدة ثلاث سنوات بسبب سرقة ملابس، ذكرتني بتلك الحادثة الغربية المعنية بسارق ثلاث حبات من «الكنار»، ويومها هاج البحرينيون وماجوا، إذ على الفور أخذوا يقارنون الحادثة بما يقرؤونه من تفاصيل تتضمنها تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية.

بعد أكثر من عقد ونصف من إصدار هذه التقارير، لا يجوز أن نصل لمرحلة نقرأ فيها تصريحات فيها من السجال ما فيها، بشأن مسؤولية من إحالة القضايا للنيابة، هل مجلس النواب أم النيابة العامة!

هذه الجدلية يفترض أنها حسمت من 15عاماً، بمعنى أنها لو تمت لكان هناك تعامل صحيح أقلها مع مخرجات التقرير، لكن أن نستمر لوقتنا هذا في التجادل، فإن هناك خللاً، شخصياً كمواطن لا يهمني أين يكون، ومن هو مصدره، ومن يلام فيه، إذ ما يهمني أكثر أن يتم التعامل مع هذه التقارير بجدية، وأن تفضي إلى نتائج مؤثرة على رأسها محاسبة المستهترين ومن تقع ممارساتهم تحت تصنيف الفساد، الأهم أن تتم المحافظة على المال العام، وأن نحمي المواطن من الفساد الإداري والتعسف في الممارسات من قبل بعض المسؤولين.

هناك مسؤولون يحتاجون إلى «ردع» وإلى تعامل «صارم»، وإن كان بعضهم منحوا الثقة بتولي المسؤولية، لكن هذا لا يعني منحهم «الحصانة» من النقد والمحاسبة، بل هو يفترض أن «يزيد» من تسليط الضوء عليهم، و«محاسبتهم» بقوة إن هم أخلوا بواجباتهم تجاه المال العام، وتجاه العمل الإداري القويم، لأن الضرر الذي ينتج عنهم له تأثيراته الكبيرة على الوطن والمواطن، بخلاف تأثير أخطاء موظف صغير أو ذي مسؤولية محدودة.

جميل أن نطبق العدالة، وجميل أن يطال القانون من يخطئ، ومن يمارس السرقة والفساد والظلم، جميل أن نرى الحق يحق حتى لو كان المخطئ سارقاً لدينار، أو متجاوزاً لأبسط القوانين، لكن الأجمل أن نرى العدالة تمتد حتى لمن يتعدى هذه التجاوزات الصغيرة، ويقع في مستنقع التجاوزات الضخمة، والهدر المالي الكبير من أموال الدولة، أو يتحول لفرعون أو ديكتاتور إداري، والأخطر إن كانت تجاوزاته تكشف عن وجود نوايا بالفساد. نريد الخير لهذا الوطن، نريد المضي قدماً وبقوة لتعزيز مبادئ المشروع الإصلاحي، والإصلاح لا يتحقق إلا بالقانون والعدالة، لا يتحقق إلا بتعزيز الإيجابيات و«نسف» السلبيات، وبمحاسبة المتجاوزين.

مثلما تم الحكم على سارق الملابس، أليس في تقارير الرقابة المالية والإدارية طوال السنوات العديدة الماضية حالات تقتضي محاسبة مسؤولين بنفس الطريقة؟!

لا نريد إجابة من النواب، ولا من ديوان الرقابة، لأنهم للأسف ما زالوا في مرحلة لم تحسم آلية الإحالة للنيابة. نريد من دولتنا العزيزة أن تقوي قبضتها ورقابتها وتشدد محاسبتها، من يتجاوز ويتعدى النظام والقانون ويلعب بالمال العام ويظلم الناس، أحيلوه للنيابة على الفور، لتحاسبه المحاكم سواء أكانت جنائية أو إدارية، بناء على ما أخطأ فيه أو تجاوز. لا يوجد أسمى من تحقيق العدالة، مهما كانت القضية، ومهما كانت الممارسات، ومهما كانت صفات الأشخاص.