قبل أسبوعين تطرقت في مقالي الأسبوعي في عمود «إشراقة»، المنشور في العاشر من شهر فبراير الجاري، إلى موضوع «البيت العود»، عندما تحولت هويته من بيت كان يأوي جميع أفراد العائلة، وملْفى يجتمع فيه الكبير والصغير منهم، إلى منزل يقطنه أناس لا يعرف بعضهم البعض، فضاعت هوية البيت العود في زحمة ضيوف من هنا وهناك، وضاع دوره في أزقة المحرق.

علق أحد القراء حول الموضوع قائلاً: نعم «البيت العود» الذي كان يحيي أزقة المحرق تحول دوره ولم يعد البيت العود، ولا أدري هل انتقلت العدوى لباقي الدور والمؤسسات التي كانت تحتضن أهالي المحرق كما كان يفعل البيت العود، فنادي المحرق كان كالبيت العود يحتضن الشباب ويفخر بإنجازهم الأهالي، نخشى أن يأتي اليوم الذي يهجر شباب المحرق ناديهم فلم يعد كما كان حاصداً للبطولات متربعاً على عرش التميز لم يعد صرحاً يعتز به الأهالي كما كان.

فتذكرت أياماً جميلة تعلق في ذاكرة أهالي المحرق أيام احتفالات الأهالي بالفوز بالبطولات كان الجميع يتفاعل وتعج الشوارع بمظاهر الأفراح بالفوز بالكأس، فعلاً كان نادي المحرق هو البيت العود لشباب المحرق يجمعهم تحت سقف واحد، ويحتضن مواهب شبابهم، فيجتهدون معاً لإثبات أن المحرق وأهلها كان يصنع كفاءات لا يشق لهم غبار على مدى أجيال متتالية، وكان الأهالي فخورين بإنجازاته منذ 1928، عشرات السنوات ومشجعي نادي المحرق يعودون من الاستاد الرياضي رافعين الرأس فخراً بفوز ناديهم بالبطولات، عشرات السنوات يعودون من الاستاد الرياضي ليحملوا لاعبي النادي من شباب المحرق على الأكتاف فخراً بهم لفوزهم بكأس البطولة بلا منافس، هكذا كان مشجعو النادي دائماً متحمسين يشدون من أزر اللاعبين بأغاني التشجيع «والشيلات»، حتى أصبحت هذه الأغاني جزءاً من تراثنا يحفظها الصغير والكبير وتتناقل بين الأجيال وفي المقابل يحقق اللاعبون إنجازات ويفوز ببطولات تزيد المشجعين فخراً، هذا التكاتف والتلاحم بين المشجعين وأعضاء النادي أثمر نجاحات اعتاد عليها أهالي المحرق بأن نظفر بالكأس دائماً، وهذا شجع الصغار ليكونوا أشبالاً بالنادي يخلفون الجيل السابق فخرّجت ملاعب النادي أبطالاً على مر أجيال متتالية من أبناء المحرق. وأصبح هؤلاء الأبطال أعلاماً تُخلد أسماؤهم، وهذا ليس بغريب عليهم فأهل المحرق معروفون بانتمائهم الشديد للأرض وتمسكهم بها ومن يشعر بالانتماء لأرضه يبدع في عطائه لها، فمنبتهم منها وعطاؤهم لها.

واليوم نرثي حال مشجعي نادي المحرق بل وأهالي المحرق، فقد نام ليلة الخميس الماضي أهل تلك الجزيرة العتيقة العريقة حزينين ينعون ماضيهم التليد، فقد عاد مرة أخرى آلاف من مشجعي النادي من الاستاد الرياضي حزينين بعدما ذهبوا متحمسين يملؤون مقاعد مدرجات الأستاد الرياضي بأغانيهم «وشيلاتهم» وطبولهم وملابسهم التي تحمل هوية المحرق، متحمسين لتشجيع لاعبي النادي فهم ينتظرون العودة لأهالي المحرق وهم يزفون الكأس لهم، ويحملون أعضاء الفريق على أعناقهم كما تعودوا أن يفعلوا على مدى أجيال، فإذا بهم يعودون لأرض المحرق بخيبة الأمل فقد عاد لاعبو ناديهم يجرون أذيال الخسارة، وللأسف لم تكن هي المرة الأولى بل تتالت الخسائر واحدة تلو الأخرى، حتى بات المشجعون والأهالي ينعون أيام أمجاد النادي يوم أن كان اللاعبون يحققون الفوز تلو الآخر مدى أجيال كل جيل يسلم الراية لمن يخلفه وينقل له تجربته حتى تراكمت الخبرات والتجارب فشطبوا الخسارة من قاموس النادي، وعمروا خزائن النادي بكؤوس الفوز، فلا يمر عام إلا ويضاف كأس جديد إلى خزائن النادي. أشفقت على بني قومي وهم يخشون أن يكون أمجاد نادي المحرق ماضي يترنم به، واشتقنا لأفراح الفوز تعج بالشوارع.

وماذا بعد، ماذا ينتظر مشجعو وأهالي المحرق من هذا الصرح القديم الذي نخشى أن يودع البطولات بلا عودة، فنادي المحرق ليس نادياً فقط بل هو رمز للمحرق، فدعونا ندق أجراس الخطر للمعنيين بأمر «بيتنا العود» نادي المحرق طموحنا فيهم أن يحافظوا على تاريخ بناه أجدادهم المحرقيين، كلنا يقين أن ملاعب النادي لا زالت ولادة، قادرة على صناعة أشبال يكبرون في رحم ملاعب النادي ويتحولون إلى أبطال يحققون البطولات، فلنستفيد من تلك الخسارة ولا نستسلم للحزن، ولنتكاتف جميعاً ونقف معاً وقفة تقييم نحلل ونعلل أسباب تلك الخسائر المتتالية، فجزيرة المحرق تحتضن رجالاً ذوي رأي راجح وذوي باع في هذا المجال، فلنستعن بخبراتهم لتقييم سبب تدني أداء الفريق، ولنتكاتف معاً لوضع الحلول، فكم هو مؤلم أن نهدم صرحاً بناه أجدادنا ولكي لا نصل لهذه المرحلة دعونا نستعجل تلك الوقفة ونسارع في وضع الحلول.. وأخيراً كلمة أقولها من أعماق محرقية من لم يستنشق هواء المحرق لن يغار على أرضها، ولن يبني صرحها إلا من نبت في ملاعبها فذلك سر نجاح السابقين.