تصريحات السفير الروسي السابق لدى قطر، فلاديمير تيتورينكو، على شاشة RT أثارت جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ولعلها لاتزال حديث الساعة. الأكثر إثارة في تلك المقابلة ضمن برنامج «رحلة في الذاكرة» قول تيتورينكو إنه حضر لقاءات شارك فيها يوسف القرضاوي تطرق فيها إلى ضرورة دعم المعارضة في الدول العربية وإن قناة «الجزيرة» كانت تبث مشاهد مؤلمة جداً لما يجري في بلدان «الربيع العربي» بتوجيه من الشيخ القرضاوي، وقوله إن ذلك «حدث أمامي أثناء لقائي به حيث اتصل بمدير القناة وأمره بأن يركز بثه على المشاهد الموجعة حيث تكون هناك دماء وأشلاء وبكاء لتحريك المزيد من الناس».

السفير الروسي تحدث خلال المقابلة أيضاً عن سوء العلاقات بين موسكو والدوحة في فترة ما سمي بـ«الربيع العربي» بسبب تأييد قطر للمعارضة في مصر وسوريا وغيرها من الدول العربية وأن القرضاوي نصحه بتخلي موسكو عن الرئيس السوري بشار الأسد من منطلق أن الأنظمة العربية ساقطة لا محالة، لأنها غير ديمقراطية، وعندما قال السفير للقرضاوي بأن قطر أيضاً ليست ديمقراطية رد عليه بأن الدور سيأتيها!

هكذا تدار اللعبة، تأتي التوجيهات ممن يملك امتياز التوجيه بزيادة جرعة اللقطات المؤثرة بغية تأجيج المشاعر وكسب التعاطف، والغالب أن تلك اللقطات والمشاهد غير واقعية وتم التدخل فيها لتحقق الغاية منها، وهذا تبين بالدليل القاطع في العديد من المناطق والقنوات الفضائية التي تعتمد هذا الأسلوب وتنفذ التوجيهات التي تصلها.

القرضاوي كان يعمد إلى إثارة الغضب ضد من اتخذ منه موقفاً، والحوثي يعتمد الأسلوب نفسه لتحقيق الغاية نفسها، وهكذا تفعل إيران ويفعل بشار الأسد، وهكذا يدير «حزب إيران في لبنان» اللعبة أيضاً، فالإعلام سلاح لا يقل أهمية وخطورة عن الأسلحة المستخدمة في المعارك، ويتطور.

لأن قناة «الجزيرة» في يد القرضاوي لذا كان يأمر المشتغلين بها كي يبثوا اللقطات كالتي قال عنها السفير الروسي السابق في قطر، ولأن قناة «المنار» في يد حسن نصرالله لذا يأمر المشتغلين بها كي يبثوا اللقطات التي يعتقد أن ببثها يمكن تأجيج المشاعر ضد من يعتبره عدواً، ولأن قنوات «الميادين» و«العالم» و«اللؤلؤة» وغيرها من القنوات في يد خامنئي لذا تأتي العاملين فيها التوجيهات ببث اللقطات التي تؤدي الغرض، وفي هذا يتوفر الكثير من الأمثلة حيث تم ولايزال بث اللقطات والمشاهد التي يتم بها اللعب على ذقون المشاهدين كي تتم السيطرة على عقولهم وعواطفهم.

ما شهده السفير الروسي لم يكن مفاجئاً له، فاللعبة معروفة ومفضوحة ويلجأ إليها كل من يشعر في لحظة أن موقفه ضعيف وأن الكسب يأتي من إثارة مشاعر الناس، وما يفعله خامنئي والمسؤولون الإيرانيون ويفعله نصرالله والحوثي يؤكد الحقيقة نفسها ويأملون به تحقيق النتيجة نفسها، لكن لأن الناس اكتشفوا اللعبة ورأوا بأعينهم ما قد يكونون سمعوا عنه أو قرؤوه في الكتب لذا فإن أعداد الذين يتأثرون بهكذا لقطات ومشاهد في تناقص مستمر.

ربما الحلقة الأحدث في هذه اللعبة ما تردد في اليومين الماضيين عن مقتل أكثر من ثلاثين من اليمنيين بينهم العروس ونساء وأطفال وجرح أكثر من خمسين شخصاً كانوا قد تجمعوا في خيام نصبت لحفل زفاف في غارة للتحالف في منطقة حجة، فمثل هذا الخبر يتيح للفضائيات «السوسة» كلها تأجيج المشاعر وممارسة تلك اللعبة التي لايزال البعض يعتقد أنها صالحة وأنه يمكن بها تحقيق ما قد لا تتمكن ميادين القتال من تحقيقه. متابعة بعض تلك الفضائيات هذه الأيام تتيح لمن يشكك في هذه الحقيقة تبين كيف تدار اللعبة.