هل الدنيا ظالمة بأقدارها وتدابير ظروفها؟!

سؤال قد يجيبك عليه ألف شخص بـ»نعم»، رغم كون المفارقة تتمثل بأن من بين الألف غالبية من «المعيب» أن تجيب حتى على السؤال، لأن الظروف ليست ظالمة معها أو مجحفة بحقها، بقدر ما إن الإنسان ليطمع بما هو أكثر وأعظم من قدره، حاله حال الذي يريد ارتقاء أعلى المناصب رغم كونه «نائم» في بيته، أو من يريد جني الأموال بينما هو لا يتعب نفسه حتى بالتفكير في نوعية مشروع ينطلق ويبدأ به، مثلاً.

مشكلة البعض هذا الشعور المتأصل بـ»المظلومية»، باختلاف تلاوينها، مظلومية مجتمعية، مظلومية مهنية، مظلومية في كل شيء.

ترى بعضهم وهو يفتح حديثاً معك، لا ينقطع كلامه عن وصف نفسه بالـ»المظلوم»، وأن الدنيا كلها «متآمرة عليه»، وأن الجميع «يستهدفونه»، وأنه هو الوحيد الذي يمشي على الأرض بفكر سليم ونظرة سامية نقية.

هناك فارق شاسع بين الإنسان الإيجابي ونقيضه السلبي.

الأول يرى في كل شيء «بارقة أمل» ويستكشف في كل أمر «بصيص نور»، هو إيجابي حتى في التعامل مع مشاكله وظروفه الصعبة، وحتى في أحلك اللحظات التي يعيشها، هو إيجابي في طريقة تفكيره، في ظنه بالناس والمجتمع من حوله، إيجابي حتى في التعامل مع من يسيء له ويستهدفه.

مثل هذه النوعية من البشر الإيجابيين، هم من يحب أغلب الناس التواجد بقربهم. يبحثون عنهم ليصادقوهم، والهدف بأن يكونوا قريبين من أشخاص يكونون بواعث لهم في رسم البهجة والسرور، وتدفق الإيجابية لديهم، خاصة في زمن باتت المنغصات فيه كثيرة، والمشاكل أكثر، والصعوبات تبرز من كل اتجاه.

النوع الإيجابي من البشر، هو ليس ذاك النوع الذي قد يظنه البعض «شخصاً حالماً»، أو إنساناً «منتشياً» بمخدر ما يجعله «غير واقعي» ويعيش في عوالم خيالية، بل أقوى أنواع الأشخاص الإيجابيين، هم أولئك الذين يقرنون إيجابيتهم بواقعيتهم، هم أولئك الذين يدركون «مرارة» الواقع أو «صعوبته»، لكن مع ذلك يتعاملون مع كافة الظروف بـ»منظور مختلف» تماماً، لديهم نظرة مختلفة فارقة، ولديهم تعاملات بأساليب قد لا تخطر على بال كثير من البشر.

لذلك دائماً ما نقول، إن الإنسان الذي يريد أن يعيش حياته طولها بعرضها، وبطريقة بسيطة سهلة سلسلة تسعده، وتجعله يرى الجوانب المضيئة فيها، ويرى النور وسط ظلمات ليل عاتم، عليه أن يكون إيجابياً، عليه أن يجعل محيطه إيجابياً، ويبحث عن مماشاة ومصادقة الأشخاص الإيجابيين.

أما السلبيون، أو الغارقون في مستنقعات الشعور بالمظلومية، فهؤلاء، وإن كان كثير منهم لديهم أسبابهم لطغيان مشاعر الاستياء والغضب والامتعاض عليهم، بسبب ظروف معيشية، أو انسداد أبواب التوفيق، أو تكالب الهموم، هؤلاء هم أولاً من يكتبون على أنفسهم وللأسف العيش في دوامة وسلسلة طويلة من الهموم والمآسي، هم من يلبسون نظارات سوداء تجاه كل شيء في هذه الحياة، بالتالي لحظات السعادة والفرح، وثواني صفاء الذهن، نادرة تماماً في حياتهم، بل ربما تكون انقرضت منذ زمن.

هذه النوعية من البشر، تحتاج لأن تبحث عمن يساعدهم على النظر للحياة بإيجابية، وتحتاج لأن تبتعد عن أشخاص خطابهم سلبي، نظرتهم للواقع سوداوية، تعاملهم مع كل أمر مبني على «المظلومية» والغبن وأن العالم وبقية البشر «متآمرين» عليهم و»ناهبين» لحقوقهم.

نعم، هناك قصص عديدة في هذا العالم وعبر التاريخ السابق، تبين لك كم أن هناك أشخاصاً عانوا، وتعذبوا بسبب ضنك العيش وصعوبة مجاراة مسارات الحياة وتقلباتها، لكن أيضاً هناك قصص عديدة تبين لك معادن نوعيات من البشر عاشت حياتها بسعادة رغم صعوبتها، نوعيات من البشر كانت مصدر إلهام للآخرين، بإيجابيتها ونظرتها المتفائلة للحياة.

لا تعش في مستنقعات الشعور بالغبن والمظلومية، فتمضي حياتك وأنت ساكن في سراديب من الإحباط والكآبة، انظر للدنيا بإيجابية، وعش لحظاتها بأمل وتفاؤل، فالثانية التي تمضي من حياتك لا تعود أبداً.