لفت انتباهي قصة مغنية البوب الأوبرالي الأمريكية الصغيرة «جاكلين إيفانكو» عندما اصطحبها والداها يوماً ما إلى عرض فيلم «فانتوم اوف ذا أوبرا» ففوجئا بأنها استطاعت أن تقوم بأداء دور بطلة الفيلم بكل حب وشغف واقتدار.. فكانت هذه بداية لاكتشاف موهبة مذهلة.

إن المواهب من النعم والعطايا التي ألهمها الله سبحانه وتعالى لجُل من الناس، وهي بذرة موجودة داخل الطفل إما أن تنمو فتزهر.. وإما أن تذبل فتموت.. وكل حسب ثقافة أسرته ومحيط بيئته.

فهل فكرتم يوماً كآباء وأمهات بالبحث داخل أعماق أطفالكم لاكتشاف هواياتهم ومواهبهم؟ هل هناك سن محدد لاكتشاف تلك الهوايات والمواهب؟ وهل ممارسة تلك الهوايات والمواهب تتعارض وتحصيلهم العلمي؟

إن من أبرز الأخطاء التربوية التي يقع فيها الآباء والأمهات، هو اعتبار أن نجاح الطفل وتكوين شخصيته الثقافية مقتصرعلى التحصيل العلمي، بحيث يعملون جاهدين لجعل أبنائهم ناجحين بالتحاقهم بكليات تؤهلهم للعمل في وظائف مستقرة. إلا أن الكثير من المشاهير المبدعين في مختلف المجالات العلمية والفنية والرياضية وغيرها لم يكونوا أشخاصاً متفوقين دراسياً، ولكنهم تبعوا هواياتهم وميولهم ومواهبهم فتفوقوا.. فكم من أشخاص كان وجود الهواية في حياتهم دافعاً للتفوق.. وكم من أشخاص حققوا النجاح والتميز في مجال هواياتهم.

تشير أحدث الدراسات العلمية التربوية إلى أن نسبة الموهوبين المبدعين من الأطفال في سن الولادة حتى سن الخامسة بنسبة 90٪‏.. وعندما يصل الأطفال إلى سن السابعة تنحصر نسبة المبدعين منهم إلى 10٪‏.. وما أن يصلوا إلى سن الثامنة حتى تصبح هذه النسبة لا تعدو 2٪‏، مما يشير إلى أهمية اكتشاف هوايات ومواهب الأطفال مبكراً وفي الوقت المناسب.

ومن هنا يأتي دور الآباء في مراقبة ميول أطفالهم وتوجيههم لاكتشاف هواياتهم.. من خلال تشجيعهم على ممارسة ما يحبون وما يهوون من أنشطة - حتى وإن كانت بإمكانيات بسيطة - إلى جانب تسخير جميع الإمكانيات المادية والمعنوية المطلوبة والظروف المناسبة التي تساعدهم على إبراز مواهبهم.. فممارسة أبنائهم لتلك الهوايات فسحة من المتعة لهم، وتفريغ لطاقتهم فيما يحبون، ومساحة لعقولهم للإبداع.. إلى جانب تسهيل طرق الأحلام لديهم لاكتشافهم ذاتهم.. ومن ثم تحقيق تلك الأحلام.. فكما يقول عالم النفس الفرنسي الذي ساهم في تطور علم النفس السلوكي وتطوير نظريات التعلم فرانسوا جانييه «إن التفوق ينطوي على وجود موهبة وليس العكس، فالمتفوق لابد أن يكون موهوباً وليس كل موهوب متفوقاً».

إن دور أولياء الأمور يبدأ من خلال إبداء إعجابهم بالأبناء وبما يصنعون.. والأخذ بيدهم.. لأن الأطفال لن يكتشفوا هواياتهم بمفردهم.. إلى جانب دور الحضانات والمدارس ومراكز الموهوبين التي تعزز وتكمل دور الأسرة من خلال البرامج المتخصصة لأصحاب هذه الهوايات والمواهب.. وتوجيههم من قبل المختصين في المجالات الموجودة لديهم.. فالموهوبون لا يولدون كذلك وإنما يٌصنعون في البيوت.. صحيح أن التميز هبة من الله سبحانه وتعالى، ولكن التربية هي التي تصقل الموهبة وتشحذها.

وإلى جانب اهتمام أولياء الأمور والبيت، هناك دور كبير للمؤسسات الرسمية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني في خلق البيئة المشجعة والداعمة للموهوبين والتي تشير الإحصاءات إلى تزايد أعدادهم بفضل تطور وسائل التعليم وآليات التعلم.. وأقترح في هذا المجال ضرورة وجود فصل دراسي في كل مدرسة حكومية أو خاصة، في جميع المراحل الدراسية، يضم مثل هؤلاء الموهوبين والمبدعين.. وهو نظام متبع في كثير من الدول المتقدمة التي تطورت لأنها استطاعت احتواء الموهوبين لديها وتحقيق طموحاتهم.. وعن طريق إبداعات هؤلاء واختراعاتهم صرنا ننعم بجودة حياة أفضل.

فلنمد لهم يداً تحتويهم وتأخذ بهم الى طريق الإبداع والتميز في المجال الذي يرغبون فيه.. فيداً بيد يستطيع أبناؤنا الموهوبون أن يصنعوا من الرحيق عسلاً.