في كتاب "طبيبٌ في رئاسة الوزراء" للدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا وهو كتابٌ أنصح بقراءته، ذكر الدكتور مهاتير بأنه استهل الفترة الأولى لرئاسة الحكومة -أي في عام 1981- بزيارات إلى عددٍ من الدول الأفريقية والدول الصغيرة. وقد استغربت في بادئ الأمر من هذه الخطوة، إذ جرت العادة أن يقوم رؤساء الدول والحكومات بعد توليهم مناصبهم بزيارة الدول التي تربطها علاقات تاريخية أو تقليدية بدولهم. إلا أن مهاتير بين -في موضعٍ آخر من الكتاب- أن اختيار الدول الأفريقية والدول الصغيرة تم بناءً على خطة رسمها، وأن الهدف من زيارتها هو البحث عن فرص استثمارية وتشجيع التجار الماليزيين على الاستثمار في تلك الدول، ومساعدة هذه الدول في تنمية اقتصاداتها مما يعزز مكانة ماليزيا دولياً، وهذا درس للجهات المعنية في البحرين وعلى الأخص شركة ممتلكات البحرين القابضة التي تعنى بجميع الشركات التي تملكها الدولة أو التي تساهم فيها باستثناء شركات النفط والغاز.

وقد نجحت دول كالإمارات والكويت في دخول الأسواق الأفريقية بقوة والاستثمار في قطاعات متنوعة. فمن صور الاستثمارات في الدول الأفريقية استغلال الموارد الطبيعية والمعادن، وإنشاء شركات للاتصالات، وإدارة المطارات والموانئ البحرية.

ولكي تكون تجربة البحرين الاستثمارية في الدول الأفريقية ناجحة، يجب أولاً وضع المعايير التي ستحدد الدول التي سيتم الاستثمار فيها كاستقرار الوضع الأمني في تلك الدول ووجود مناخ استثماري مناسب. فإذا تم الانتهاء من تحديد الدول التي تنطبق عليها تلك المعايير، فإننا نرى إرسال مجموعة من الشباب البحريني إلى تلك الدول للتعرف عن كثب على الفرص الاستثمارية فيها، ورفع التقارير حيال ذلك إلى المسؤولين المعنيين بالمملكة لاتخاذ الخطوات التنفيذية.

ويعد الإنجاز الكبير الذي حققه فريق العمل التابع لحلبة البحرين الدولية والمتمثل بتقديم الدعم الفني لتشغيل حلبة باكو لسباق الفورمولا واحد وكذلك وجود استثمارات بحرينية في تونس والسودان دليلاً على أن البحريني قادر على التواجد بقوة في الأسواق الأفريقية والأسواق العالمية عموماً.

إن نجاح التجربة الاستثمارية في القارة الأفريقية مرتبط بعدة عوامل من بينها إنشاء بعثات دبلوماسية بحرينية في عددٍ من الدول الأفريقية تضم ملحقيات ومكاتب تتابع الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية الخاصة بمملكة البحرين في تلك الدول. فالبحرين لديها حالياً 5 سفارات في أفريقيا بالإضافة إلى وجود ممثل لدى منظمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا.

ومن العوامل الأخرى التي ستساهم في نجاح هذه التجربة الاستثمارية إقامة شراكة بين طيران الخليج والخطوط الجوية الأثيوبية والتي تعد من أفضل شركات الطيران في أفريقيا، حيث تقوم بتسيير رحلات إلى عددٍ كبير من المدن الأفريقية بالإضافة إلى وجهات أخرى مهمة خارج القارة الأفريقية، وتملك أسطولاً يضم "108" طائرات من ضمنها طائرات من نوع إيرباص "350" وطائرات من نوع بوينغ "767" و"777" و"787)". وقد حصلت الخطوط الأثيوبية على أربع نجوم من مؤسسة "Skytrax" وهي مؤسسة أبحاث معروفة تقوم بتقييم المطارات وشركات الطيران، بينما حصل طيران الخليج على ثلاث نجوم من ذات المؤسسة.

وستجد كثيراً من التجار في البحرين يشكون من كساد السوق المحلي، علماً بأن بعضهم يعتمد على الاحتكار، والبعض الآخر على المناقصات والمزايدات، وآخرون يعتمدون على الاستثمار الداخلي بما في ذلك التطوير العقاري. وبما أن اقتصاد بلادنا لا يحيا -في الوقت الحالي- إلا بالمساعدات التي تأتي من الخارج، فإن الاستثمار الخارجي الناجح هو السبيل للخروج من عنق الزجاجة.