يمكننا القول إن الإعلام رواية ودراية معاً، فالرواية تسندها الوثائق والصور والتسجيل، أما الدراية فهي ما ‏يقبله العقل بالدليل المنطقي، لكن كلا الأمرين لا يبدو أن لهما نصيباً مما تبثه قناة بي بي سي العربية التي أخذتنا على دفعات كما نقول في الخليج «قصص»، إذ بدأت بالبحرين إبان كوارث الدوار الإرهابية، ثم انتقلت للكويت في ذكرى 2 أغسطس، وها هي تنقل رحلها الآن للشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية ومعها ضمناً التحالف العربي..!!

من الجدير بالوقوف عليه وتفنيده قضية تناولتها كل وسائل الإعلام العربية والدولية، وتناولتها البي بي سي الضربة الجوية التي شنتها قوات التحالف على صعدة، وأنه قتل فيها 29 طفلاً في الضربة التي استهدفت حافلة، بحسب ما أعلنه مستشفى في صعدة، شمال اليمن. وفي هذا نقف على أن تغطية البي بي سي تجاوزت ثلاث نقاط رئيسة، أولها أن التحالف منذ بدايته شن حرباً نظيفة خالية من الصواريخ الباليستية والبراميل المتفجرة والقصف بالكيماويات وغاز الكلور كما يفعل الطاغية الأسد مع شعبه، الأمر الثاني أن التحالف قد أخذ على عاتقه التحقيق في كل غارة، صحيح أنه لا ينقاد للادعاءات لكن التحقيق سيجري على كل حال كما حصل في حفل العرس الذي ادعوا أن التحالف قصفه قبل عامين. أما ثالثاً، فقد خرجت الشرعية اليمنية وحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي للدفاع عن الحملة العسكرية، وهي الأقرب من الأحداث ودورها إسكات الدعاية التي رافقت القصف.

إن فجور البي بي سي وطاقمها العربي في الخصومة، صار بمثابة السد المنيع الذي يهمش كل أمر فظيع تبثه، لأنها فقدت المصداقية، وللمشككين في هذا فقط انظروا إلى عنوان تغطيتهم للقصف التي أدانوا فيه التحالف العربي دون انتظار لنتائج التحقيق في الأمور، بقولهم «غارات التحالف في اليمن: «جرائم حرب» أم «حرب تحرير»؟». ولأن البي بي سي مستمرة في غيها فهي لم تسأل مصدرها الحوثي عن أمر بسيط في باب الدراية التي يقبلها العقل المنطقي، فأي مدارس تلك التي تفتح أبوابها في أغسطس؟! كما أنه من الغريب أن البي بي سي العربية لم تغط بنفس الزخم الغارات الإسرائيلية التي كانت تتم في نفس ساعات قصف صعدة واستشهد فيها الكثير من إخواننا في فلسطين..!!

* اختلاج النبض:

بعد يوم واحد من تراجع تغطيات خبر أطفال المدارس في أغسطس، كان لا بد أن تبقى اليمن على قائمة أحداث البي بي سي العربية، وأن تستمر القناة بشيطنة قوات التحالف بأية طريقة، فكان خبر عنوانه «عسل السدر اليمني.. ضحية أخرى نتيجة الحرب»، يتناول شكوى منتجي العسل من انخفاض الإنتاج وصعوبة التصدير بسبب الحرب الدائرة، وكيف أن اليمن كان يصدر 50 ألف طن من العسل سنوياً قبل الحرب، بينما انخفض مع الحرب إلى أكثر من النصف. وبهذه المناسبة نقول لعرب البي بي سي صباح/مساء التحامل بالعسل.