عندما يزداد اللغط، ويعلو الرأي العام حول قضية ما ويتم فيها تبادل التهم، وتراشق أسباب الإخفاق، وأجد جميع الأطراف تتضارب في أقوالها وأفعالها، غير مكترثين بالجروح التي تصيب جدار الوطن، أنزوي.. أصمت.. أتابع تحركاتهم بخوف.. ليس خوفاً من أن تصيبني تهمهم أو سبابهم أو إخفاقاتهم.. بل خوفاً على سمعة هذا الوطن، هذه السمعة التي بناها أجدادنا وآباؤنا وأوصونا باستكمال هذه المسيرة والمحافظة على هذه السمعة الرائدة في جميع الميادين والمجالات.

لا أبالغ مطلقاً إذا ما ذكرت أن اسم مملكة البحرين يعتبر علامة تجارية ناجحة في كثير من المجالات، فالبحرين عرفت منذ القديم بأنها أرض الحضارات والتعايش، وعندما دخلت إليها الصناعة امتازت وتفوقت في هذا المجال ليس لأنها تملك مورداً نفطياً وحسب، بل لأنها تملك موارد بشرية مؤهلة لإدارة هذه الصناعات، وعندما أصبحت البحرين مركزاً تجارياً في الشرق الأوسط تهافتت كبريات الشركات لكي تحجز لها موقعاً حتى أصبحت البحرين في فترة السبعينيات منارة من منارات الخدمات التجارية على مستوى العالم، وإذا ما تحدثنا عن التعليم أو الصحة أو التنظيم البلدي سنرى تطور البحرين في كل هذه المجالات ورغبة الأشقاء الخليجيين وحتى العرب في الاستفادة من نقل هذه التجربة إلى بلدانهم في وقت ما..

فما الذي تغير؟ وما الذي حدث؟ ولماذا أصبحنا دون وعي منا نلوث هذه السمعة؟ ولماذا لم نحافظ على هذا التميز؟ ولماذا بدأنا نفقد «الثقة السياسية» شيئاً فشيئاً؟ حتى أصبحنا نتحدث عن نظامنا التعليمي والصحي والبلدي ووو إلخ بإحراج يخالطه أسف؟ أو بامتعاض واستهزاء؟

هل فقدنا الثقة السياسية؟ وإذا ما حصل هذا الشيء فإننا في «ورطة» كبيرة تستحق أن نقف ونتصدى لها؟ هل غابت عنا «القيم» الوطنية؟ هل ضاعت منا خارطة الطريق وأصبحنا لا نعرف أين نحن وإلى أين نتجه؟

كل هذه الأسئلة تطاردني وأنا أرى «التراشق» بسمعة البحرين.

عندما حدثت حادثة قتل إمام المسجد رحمه الله «مثلاً» حزنت بشدة من تصريحات سفير بنغلاديش، فتصريحات سعادته هي تشكيك في قدرة أجهزتنا الأمنية التي نثق فيها، وتشكيك في أنظمة فعالة مثل هيئة تنظيم سوق العمل، التي تضع نظاماً صارماً بالتعاون مع الأجهزة الأمنية في البحرين لضمان عدم دخول العمالة الأجنبية غير المطابقة للمعايير القانونية.

وفي موقف آخر منفصل، عندما تم التشكيك في صحة الشهادات العلمية في إحدى الدول الخليجية، وبدأت بعض الصحف البحرينية المحلية في فتح باب الإثارة على مصراعيه والتشكيك في التعليم في مملكة البحرين، ولجنة فحص المؤهلات العلمية. حزنت جداً لأنني أعلم مدى صرامة النظام التعليمي في مملكة البحرين للحفاظ على جودة التعليم.

وعندما أرى الأدوية تتناقص وتشح في المستشفيات دون وجود مبررات واضحة، أستاء ممن يقفون وراء الأسباب بصمت يؤدي إلى تدهور السمعة الصحية في مملكة البحرين.

ولاؤنا مطلق للحكومة والدولة، وهامش الثقة مرتفع جداً في هذا الجانب. ولا يزايد أي مواطن على حب البحرين، ولكني أتمنى أن نقف جميعاً للتصدي إلى ما يدور بيننا ويؤدي إلى تناقص «الثقة».

إن الثقة السياسية مرتبطة بتقييم السياسات العامة من قبل المواطنين الذين قد يرون تناقضاً بين المأمول والواقع، حيث يثق المواطنون في الحكومة وسياساتها العامة، عندما يشعرون بأنها تعالج القضايا بكفاءة، ويفقدون الثقة فيها عندما يشعرون بأنها مسؤولة عن الاتجاهات غير المرغوب فيها.

نشرت إحدى دور النشر الأمريكية American Journal of Political Science دراسة في جانب «الثقة السياسية» بينت فيها أن المواطنين الواثقين يكون لديهم تفاؤل بشأن المستقبل، وهم أكثر احتمالاً أن ينضموا إلى جمعيات خيرية، وأن يتطوعوا بوقتهم لإسعاد الآخرين، بالإضافة إلى أنهم أكثر اهتماماً بمشكلات المجتمع والاهتمام بالتصويت، وهم أكثر تسامحاً مع الأقليات الاجتماعية والسياسية، وأكثر قبولاً لاختلاف أنماط الحياة. نعشق البحرين، ولدينا ولاء مطلق لقادتنا، ولدينا ثقة في جهازنا الحكومي، وجل ما نريده أن نهدأ ونستكين ونكف عن اللعب بسمعة الخدمات في مملكة البحرين، وأن نتناصح بهدوء بعيداً عن ضوضاء الإعلام الاجتماعي، وأن نضع لنا قيماً عليا وخطة طريق واضحة لتكون البحرين كما كانت سباقة في كل الخدمات التي تقدمها، وهذا لم ولن يحدث دون تعاضد المواطنين بعضهم البعض وبين باقي سلطات المجتمع حيث أكدت العديد من الدراسات على أن الثقة السياسية لا تنشئ ولا تعمل في فراغ، حيث تشير الثقة الاجتماعية إلى ثقة المواطنين في بعضهم بعضاً كأعضاء في الوحدة الاجتماعية.

لكي نستعيد سمعة البحرين الرائدة في جميع المجالات فإننا بحاجة ماسة إلى أن «نثق» في جميع مؤسسات الدولة، وأن نصحح ونقوم الأمور لكي نصل إلى طموح المواطن، ونكون أيضاً مواطنين صالحين غير عابثين بسمعة وتاريخ هذا الوطن المعطاء.