التهديد في كل زمان ومكان هو لغة الضعيف، فلو كان الذي يقول بأنه سيفعل كذا أو كذا في حال حصول كذا أو كذا، لو كان قوياً وقادراً على القيام بفعل ما لقام به ولما أضاع وقته في التهديد. هو يهدد لأنه يشعر بالضعف ويعرف أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، يهدد لأنه يريد أن يقنع نفسه بأنه ليس ضعيفاً وأنه قادر على فعل شيء رغم أنه في قرارة نفسه يعرف جيداً ومتأكد من أنه لا يستطيع فعل شيء، وإلا لما لجأ إلى التهديد. هذا يشمل الأفراد والمؤسسات والمنظمات والدول، والغالب أنه كلما كان مطلق التهديدات ضعيفاً أكثر كلما زادت التهديدات التي يطلقها وعلت نبرتها وعلا صوته، وباستثناء التهديدات التي يطلقها الأقوياء والتي تندرج في باب التحذير يمكن القول بأن كل تهديد هو تعبير عن الضعف.

حسب «الويكبيديا»، فإن التهديد «هو ذلك الفعل الذي يقوم به الشخص والذي ينذر آخر بخطر يريد إيقاعه بشخصه أو بماله أو هو الإعلان عن شر يراد إلحاقه بشخص معين أو بماله ومن شأن ذلك أن يسبب له ضرراً»، والتهديد ترويع وتَخويف وإنذار بالسُّوء وتوعُّد، وهو في كل الأحوال ضغط معنوي يتم اللجوء إليه بتخويف الآخر من عمل ما يكره. ولكن لأن الجميع صار يدرك بأن التهديد لغة الضعيف لذا يمكن القول بأن التهديد فقد تأثيره خصوصاً في العمل السياسي، فالسياسيون يدركون بأن الذي يقوم بالتهديد هو دون القدرة غالباً على تنفيذ تهديده ووعيده وأن الأمر لا يعدو وسيلة ضغط يريد أن يستفيد منها لتحقيق غاية معينة أو لحفظ ماء الوجه.

ليس الحديث هنا عن عملية التهديد التي يمارسها البعض بغية الحصول على المال أو أي شيء آخر ويعاقب عليها القانون ويعتبرها جريمة، ولكنه عن التهديد الذي يتم اللجوء إليه بغية الحصول على مكاسب سياسية ومعنوية. من ذلك على سبيل المثال قيام التنظيمات والأحزاب بالتهديد بالقيام بفعل معين كالتخريب أو نشر معلومات تمتلكها من شأنها أن تؤدي إلى فضائح في حالة عدم استجابة الحكومة لأمر معين أو تنفيذ قرار معين أو التأخر عن القيام بعمل معين. ولأن الحكومات في كل مكان تعرف أن الذي يهدد هو في كل الأحوال ضعيف أو يشعر بالضعف وأنه دون القدرة على تنفيذ التهديد لذا فإنها عادة لا تلتفت إليه ولا تهتم بتهديداته ولا ترد عليه، ولأنه كذلك بالفعل لذا فإن شيئاً لا يحدث عادة بعد كل هذا. ما يؤكد أن التهديد لغة الضعيف وليس القوي حيث القوي لا يحتاج إلى تهديد الآخر وإنما ينفذ من دون تردد.

الذين أحصوا التهديدات التي وجهها النظام الإيراني إلى بعض دول مجلس التعاون وخصوصاً البحرين والسعودية والإمارات في الشهور والسنوات الأخيرة يمكنهم أن يوفروا مثالاً عملياً على أن التهديد لغة الضعيف، فهذا النظام هو الأكثر سخاء في موضوع التهديدات التي لم تتوقف منذ اللحظة التي اختطف فيها ثورة الشعب الإيراني واستولى على الحكم في إيران، والذين تابعوا تهديداته يمكنهم القول بأنها تزداد كلما قرر الإعلان عن توصله إلى إنتاج صاروخ جديد.

النظام الإيراني يعلم جيداً أنه دون القدرة على التنفيذ، ومن هنا يمكن الجزم بأن كل التهديدات التي وجهها ويوجهها إلى جيرانه على وجه الخصوص ليست إلا تعبيراً عن حالة الضعف التي يعيشها. لكن هذا لا يعني أن هذا النظام لا يمتلك الحيل التي تعينه على ابتزاز الآخرين، والأكيد أن قصة خاشقجي ستفتح شهيته على أمور قد لا يحتاج معها إلى تلك اللغة وإن كان صعباً عليها عدم استخدامها.