يخطئ كثيراً من يظن أن الأخطار الأمنية في البحرين مرتبطة فقط بعمليات تهريب الأسلحة، أو تهريب المطلوبين أمنياً، أو محاولات اختراقات حدودية وغيرها من عمليات تستهدف زعزعة الاستقرار الأمني في المجتمع.

بل الخطر الأمني يتشعب في أوجه عدة، كل وجه منه يمس جانباً معنياً بالمجتمع، الأمن طبعاً على رأس القائمة، لأن اختلال الأمن يعني اختلال البلد بأكمله، يعني التأثير على حياة وسلامة المواطنين والمقيمين.

لكن الخطر ليس مقصوراً على السلاح والإرهاب، بل المخاطر الأمنية قد تكون نتيجة عمليات معنية بتهريب المخدرات مثلاً، وهي مصيبة كبرى إن هي نجحت في الوصول لشريحة الشباب في المجتمع.

أيضا عمليات غسيل الأموال والتزوير والرشوة والدخول غير القانوني للبلاد، وهي عمليات قد لا يحس المواطن بأبعادها المباشرة عليه، لكنها تعتبر نوعاً من أنواع المخاطر الأمنية في المجتمع.

تخيلوا أن تتحول البحرين لمركز لبعض المشبوهين يديرون من خلالها وعبر ممارسات غير قانونية، وعبر ممارسات خفية عمليات لـ «غسيل الأموال»، وتمتد العملية لنجد بين ظهرانينا أفراداً دخلوا بهويات مزورة، وبجوازات مزيفة، ما يعني أن هناك أشخاصاً غير قانوني وجودهم على أرض البحرين.

هذا نوع من الخطر الأمني على المجتمع البحريني، فتضرر الاقتصاد نتيجة هذه العمليات المالية غير الشرعية، مسألة تؤثر بالضرورة على المواطن، وتحول حتى الوسط التجاري لوسط مخترق فيه عديد من الثغرات التي تستغل لغسل الأموال وإدارة العمليات المالية غير القانونية، والمشكلة في موضوع غسيل الأموال، أنك لا تعرف الهدف من هذه الأموال، أهي أموال مصدرها سرقات واختلاسات، أو تحويلات تهدف لدعم وتمويل الإرهاب، أو أموال مخصصة لأمور غير قانونية أو شرعية.

وحتى إدخال أفراد بغض النظر عن جنسياتهم إلى البلاد بصورة غير قانونية وعبر التزوير، وتركهم يسرحون ويمرحون في الأرض، وبعضهم قد يتحول ضمن قطيع العمالة السائبة، أو بعضهم ينخرط في أعمال غير شرعية، أو يخوض في تجارة البشر من خلال التسويق للدعارة أو حتى تنظيم الجماعات التي تعمل في عمليات السطو والسرقة، هذه الممارسات كلها تضر بالوطن وأهله من الناحية الأمنية.

لذا كانت المطالبات دائماً باليقظة والحذر، وأنه من الضروري تشديد الرقابة لرصد أية عمليات مشبوهة، وهي المسألة التي نجحت فيها الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية بوزارة الداخلية مرات ومرات، وكان آخرها ما أعلن بالأمس عن القبض على خلية إجرامية تضم أشخاصاً من جنسيات مختلفة، كانت ترتكب جرائم التزوير والرشوة وغسيل الأموال ، والخطير جدا أن هذه الخلية أقدمت على تزوير العديد من جوازات وأختام السفر وتأشيرات الدخول والإقامة الخاصة بعدة دول خليجية وأجنبية للعديد من الأشخاص مقابل مبالغ مالية طائلة، والمتهم الرئيس بحد ذاته، وهو من جنسية عربية، تمكن من جمع مبالغ طائلة من عمليات بيع تلك الوثائق المزورة في الفترة من عام 2012 وحتى عام 2018.

المؤلم أن التحريات كشفت ضلوع بعض الموظفين في قطاعات حكومية سقطوا في فخ الرشوة لهذه الخلية، وتمت الاستفادة من صلاحياتهم ونفوذهم في عملية التزوير وإصدار التأشيرات، وهي عمليات تقع ضمن دائرة «خيانة الأمانة»، ويؤسف أن تصدر من موظفين يفترض أنهم يحاربون الفساد، ويفضحوا أصحابه، لا أن يكونوا فريسة سهلة لإغراء المال والرشاوى.

الإدارة العامة والمباحث الجنائية قبضت على المتهمين وأحالتهم للنيابة، من عناصر للخلية الممارسة للتزوير، والأفراد الذين كانوا يسهلون لهم هذه العمليات، وتستمر عمليات التحري والبحث عن بقية الضالعين في هذه الجرائم.

الإيجابي بأن أجهزتنا الأمنية يقظة جداً، وتنجح ولله الحمد في كشف هذه الممارسات والخلايا التي تقوض الأمن الداخلي من خلال الممارسات غير القانونية. وهنا من المهم بيان أن للمواطن دوراً مهماً أيضا، لو تنامى لعلمه بأن هناك حالات مشبوهة تشير إلى وجود عمليات فساد وتلاعب وتزوير، بحيث أن من واجبه التوجه للجهات المسؤولة بوزارة الداخلية وإبلاغهم بشكوكه وملاحظاته، إذ كثير من عمليات الضبط الجنائي قد تتحقق لو كان للمواطن دور فعال وإيجابي فيها، ولو تحول إلى عين ثالثة تساعد الأجهزة الأمنية، في ظل المسؤوليات الجسام التي تضطلع بها.

هذه الأخبار من المهم الإشارة لها وتسليط الضوء عليها، إذ يجب أن يدرك المواطن حجم الجهود المبذولة لضمان أمنه وسلامته في بلده، وكذلك الحرص على حماية البحرين من كل ممارسات غير قانونية تستهدف تقويض أمنها الاجتماعي والاقتصادي وطبعاً السياسي.