الإنسان بطبعه يعشق التنقل والتجوال بحثاً عن الجديد ورغبة منه في الحصول على المتعة والسعادة، ونتج عن هذا التجوال السياحة واكتساب معارف جديدة وانتقال مستمر لمفاهيم الحياة بين الشعوب المختلفة. وتعرف السياحة لُغةً بأنّها الضرب في الأرض أي الانتقال والمشي من موقع إلى آخر سواء في دولة معينة أو إقليم مُحدّد أو حول العالم من أجل الوصول إلى حاجات معينة وبعيدة عن مكان السكن الدائم أو بيئة الأعمال، أمّا اصطلاحاً فلم يظهر أي تعريف متفق عليه للسياحة فبعض التعريفات الاصطلاحية الواردة عن هيئات ومنظمات السياحة الدولية، فمنظمة السياحة العالمية عرّفت السياح بأنهم جميع الأشخاص الذين يوجدون في مكانٍ ما لمُدّةِ 24 ساعة بهدف الحصول على وسائل الترفيه التي تشمل الإجازات والرياضة والاستجمام، كما تعرَّف الدراسة الخاصة بالسياحة القومية الأمريكية السياحة، بأنها كافة النشاطات أو التصرفات التي يطبقها الأشخاص أثناء ذهابهم لرحلات خارج منازلهم ومجتمعهم ولأي هدف معين إلّا الرحلات الخاصة بالذهاب اليومي إلى العمل. وتطورت السياحة من ظاهرة بسيطة إلى صناعة عظيمة وأصبح لها أسسها وأركانها وأجهزتها المتعددة، فأقيمت المؤسسات التعليمية المتخصصة وانتشرت الفنادق في كل مكان وبدأ الاهتمام بمقومات الجذب السياحي على قدم وساق، وتسابقت الدول في تقديم التسهيلات السياحية وتأمين البنية المناسبة لجذب أكبر عدد من السواح، وبالتالي فإن السياحة تعتبر من الصناعات التي تساعد على بناء عالم أفضل، لتعزيزها فرص التفاهم والسلام بين شعوب الأرض، مما يؤدي إلى تفاعل حضاري وثقافي عميقين، ويعبر اصطلاح التنمية السياحية عن مختلف البرامج والخطط التي تهدف إلى تحقيق الزيادة المستمرة والمتوازنة في الموارد السياحية، وتعميق وترشيد الإنتاجية في القطاع السياحي، وهي عملية مركبة ومتشعبة تضم عدة عناصر متصلة ببعضها ومتداخلة بعضها مع البعض، تقوم على محاولة علمية وتطبيقية للوصول إلى الاستغلال الأمثل لعناصر الإنتاج السياحي، وربط ذلك بعناصر البيئة وتنمية مصادر الثروة البشرية للقيام بدورها في برامج التنمية. وطبقاً لتوقعات الاقتصاديين فإن اقتصاد العالم في السنوات القادمة سوف تقوده ثلاث صناعات خدمية هي صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وصناعة السياحة والسفر، فالقطاع السياحي يعتبر من أهم القطاعات التي تساهم بعملية النمو الاقتصادي، وذلك لقدرة القطاع على استيعاب كم هائل من الأيدي العاملة وقدرته على جذب الاستثمارات وهو ما يتطلب السعي الدائم لتقديم التسهيلات والدعم لتطوير هذا القطاع، وتعد الصناعة السياحية، الصناعة الأولى في العالم والأكثر نموا، بل أخذت تحتل مكان صناعة النفط في كثير من دول العالم لأن صناعة النفط تحتاج إلى تمويل مالي كبير وضخم مقارنة بصناعة السياحة، التي لا تحتاج إلى مثل هذا التمويل، فمن الناحية العملية تقدم السياحة جملة من الخدمات، والدول المتقدمة في مجال السياحة هي الدول التي تقدم أكبر الخدمات لسياحها، بل وحتى مواطنيها، فالسائح الذي يأتي لزيارة بلد ما تتوفر فيه كل الخدمات، هذا يعني أن السائح سيرتاد كل الأماكن والمواقع على اعتبار أن الخدمة متوفرة في كل مكان وبالتالي الحصول على مردودات مالية في كل مكان يدخله السائح. وعليه فان السياحة ستجلب موارد مالية إضافية تفوق المتوقع منها، وبالتالي زيادة الإنفاق والتمويل لكل مشاريع الخدمات التي تقدمها الدولة للسائح. وأصبحت السياحة تعتبر مصدراً لجذب العملات الأجنبية في الاقتصاد الوطني وتعتبر أكبر جاذب للاستثمارات لاسيما الاستثمار في تأهيل البيئة الطبيعية والآثار الثقافية والتاريخية بالإضافة إلى قدرة هذا القطاع على توفير فرص العمل، حيث يؤدي النشاط السياحي إلى استحداث وظائف جديدة في مجال السياحة، فللسياحة أهمية اقتصادية أخرى وهي التخفيف من حدة البطالة أو القضاء عليها والبلد الذي يتمتع بقطاع سياحي متطور تجد أن نسبة البطالة فيه ضئيلة أو معدومة لأن هذا القطاع يعتبر كثيف العمالة. وللسياحة دور مهم في القضاء على الهجرة وكذلك تحد من هجرة رؤوس الأموال لأن السياحة تتطلب مشاريع واستثمارات كثيرة، ولا شك في أن السياحة تؤثر في تشغيل الموارد الاقتصادية للدولة من خلال النظرة المتكاملة مع كافة القطاعات الأخرى ومن خلالها تعتبر أحد مصادر الدخل الوطني وأحد الموارد الهامة بما توفره من عملات أجنبية لازمة لتمويل عمليات التنمية، وذلك من خلال مساهمة رؤوس الأموال الأجنبية في الاستثمارات الخاصة بقطاع السياحة أو تنمية الاستثمارات من القطاع الخاص، وبما يعمل على إنعاش الحركة السياحية وكذلك من الموارد الخاصة بالمدفوعات التي تحصل عليها الدولة مقابل منح تأشيرات الدخول وكذلك الإنفاق اليومي للسائحين مقابل الخدمات السياحية أو الإنفاق على السلع والخدمات المتعلقة بقطاع السياحة أو القطاعات الاقتصادية الأخرى. ولأهمية السياحة فقد أصبحت ترتبط بالتنمية الاقتصادية ارتباطاً وثيقاً بعد أن كانت علماً مجرداً يدّرس في الجامعات والمعاهد حيث تعتبر السياحة أحد العناصر الأساسية للنشاط الاقتصادي والدول السياحية، واهتمت بها المنظمات العالمية كالبنك الدولي ومنظمة «اليونسكو»، التي أصبحت تنظر إلى السياحة كعامل أساسي ومهم للتقريب بين الثقافات وأصبحت العديد من الدول تسعى وخاصة الدول التي تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة إلى تطوير وتنشيط القطاع السياحي لما يُحدثه من تنمية اقتصادية واجتماعية، على أن سياسات السياحة لا تبنى فقط على اعتبارات اقتصادية وتكنولوجية ولكن يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار أيضاً الحفاظ على البيئة واحتياجات السكان المضيفين عامة، والذين يعملون في الحقل السياحي خاصة، ورغم صعوبة القياس الدقيق لدرجة التكامل ونوع وعدد العلاقات الاقتصادية بين المشروعات السياحية والأنشطة الاقتصادية الداخلية والخدمية الأخرى فإنه لا يمكن تجاهل الآثار الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة لتطور النشاط السياحي وتنميته في خلق أنواع متعددة من العلاقات الداخلية بين القطاعات الاقتصادية الأخرى وما ينتج عن ذلك من منافع مباشرة وغير مباشرة.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية