ستة عشر عاماً تغير فيها المزاج البحريني كثيراً وهذا يحتاج إلى الدراسة من قبل جميع الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي.

من بعد سيطرة الأحزاب الدينية بشقيها السني والشيعي على المقاعد النيابية بل وحتى البلدية في الفصلين الأولين وانحسار في الثالث وأكثر منه في الرابع، تجاهد الأحزاب ذات الشق السني في الفصل التشريعي الخامس للاحتفاظ بمقعد أو اثنين في أحسن الأحوال أما الشيعية فقد اختفت العمائم عام 2018 من المجلس النيابي تماماً.

الأكثر من ذلك أصبح نفي الانتماء للأحزاب الدينية ميزة للمترشح حتى لمن يدعم بالسر منها، هذا متغير رئيس في المزاج البحريني والأسباب كثيرة لسنا في معرض تناولها الآن إنما تلك سمة عربية شاملة وليست بحرينية فقط.

منافسة المرأة للرجل أصبحت واقعاً لا يعوقها الجندر أبداً، الأمر عائد عند المجتمع البحريني لقوة الحملة الانتخابية وللاستعداد وللتواصل مع أبناء الدائرة بغض النظر عن كون المترشح رجلاً أو امرأة، فأي حديث بعد الآن عن المجتمع الذكوري ليس مكانه البحرين من الآن فصاعداً واستقدام "خبراء" لمحاضرتنا في هذا السياق مرفوض لأن حديثهم سيكون خارج تغطية الرادار البحريني.

وصول سيدتين من الجولة الأولى لم يعد مفاجأة خاصة بالنسبة للسيدة فوزية زينل التي يبدو أن لها من اسمها نصيباً، لا يأس مع الحياة عند هذه المرأة الصبورة المصرة العنيدة "بالمعنى الإيجابي" كافأتها الدائرة هذه المرة على إصرارها وصبرها ولم تخذلها، وتستحق أن تكافأ وعدم يأسها وإصرارها درس وعبرة لغيرها خاصة للشباب.

نسبة كبيرة من "الأفندية" إن صح التعبير حتى وهم "مغترين" من مرشحين شباب مستقلين تنافس في الجولة الثانية، يبدو أن البحرينيين يحبون التغيير والتجديد وهذا الغالب على أكثر الجولات الثانية، أما عيسى الكوهجي والعسومي فكسرا هذه القاعدة بعودتهما مكتسحين الأصوات في دائرتيهما رغم أنهما وافقا على قانون الضريبة المضافة!! فالأمر عائد إذاً للعمل داخل الدائرة طوال السنوات الأربع الماضية، أكثر من العمل داخل المجلس، عدم الانقطاع والتواصل المستمر يرفع حظوظ الترشح حتى لأربع مرات كما هو حال العسومي، والقول بأن الموافقة أو الرفض عائد لهذا الموقف لا ينطبق عليهما.

عودة أحد نواب 2002 والثاني لجولة ثانية مفاجأة فليس من مزاج البحريني عادة تجربة المجرب ولكن يبدو الذكاء في دراسة منافذ الدائرة وكيفية اختراقها وهذا يحسب للمنبر التقدمي بفوز عبدالنبي سلمان ووصول إيمان شويطر للجولة الثانية.

وعموماً موقف جميعة المنبر التقدمي الذي نأى بنفسه عن المنحدر الذي انساقت له "وعد" منحها مساحة للعمل السياسي بل ومنحها قبولاً حصدت منه تلك الأصوات.

العمائم اختفت، الناخب الشيعي فضل عليها المرأة أو الأفندية، وهذا تغير كبير مرشح للزيادة والترسيخ ويعتمد اعتماداً كبيراً على أداء من سينجح في هذه الدوائر التي كانت حكراً على العمائم أو على كتلتها الإيمانية، فإن أحسنت الأداء فإنه لا عودة للعمائم من جديد ومثلها ربما في الدوائر التي احتكرتها سابقاً الأحزاب الدينية السنية.

لا شيء شخصياً ضد العمائم واللحى أبداً، يشهد الله أننا نكن الاحترام والتقدير لكل رجل دين إنما لم يتغير موقفنا منذ عام 1995 إلى اليوم مروراً بكل الفصول الأربعة التشريعية الماضية، وهي أننا على قناعة تامة بأن مكان أي رجل دين هو المنبر الديني فقط، على أن تكون دعوته هي لتعزيز الأخلاق والقيم والمبادئ وإعلاء التوحيد معززاً مكرماً هناك، يعمل على وحدة الصف الوطني وتعزيز الهوية البحرينية، ويدع المعترك السياسي لأهله.

وها هو المجتمع البحريني يقول كلمته بعد ستة عشر عاماً من تجربته مع سيطرة رجال الدين على المشهد السياسي التي ساهمت في تقسيم الشارع وتخندقه مذهبياً.

كذلك المجتمع البحريني تخلى عن نصرته لمن كان يجرنا للصراع على الحكم حتى بعد عودته من المنافي، وحتى بعد أن صوت على دستور يؤطر له العمل السياسي.

وبالنظر لوجوه من فاز ومن هو ذاهب لجولة ثانية أرى أن اختيارات المجتمع البحريني تبدو وكأن هناك عودة للروح وللمزاج البحريني السبعيني حيث لا سيطرة لرجال الدين، وحيث المرأة إلى جانب الرجل تنافسه منافسة شريفة، وحيث الإيمان بالشباب وبمنحهم الفرصة للمشاركة كانت سمة من سمات البحريني الأصيلة، باختصار المجتمع البحريني اختار الدستور وسماته المدنية.

ونكمل غداً...