اتفق المتحدثون في الجلسة الرئيسية من ملتقى البحرين للحوار "الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني"، الذي يقام برعاية كريمة من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، تزامنا مع زيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، التي عقدت اليوم الخميس، في مركز عيسى الثقافي، على ضرورة تبني الممارسات الصحيحة والمسؤولة لمبدأ الأخوة الإنسانية كأسلوب حياة مستدام ، للتغلب على الصراعات والنزاعات والتصدي للتحديات التي تواجه البشرية في مختلف بقاع الأرض.

وأكد المتحدثون في الجلسة التي حملت عنوان "تحارب تعزيز التعايش العالمي والأخوة الإنسانية"، على الدور الرائد والكبير الذي تضطلع به مملكة البحرين في مجال نشر دعائم السلام العالمي وتعزيز ثقافة التعايش والتسامح واحترام الأديان، مثمنين بكثير من التقدير الجهود والمبادرات القيّمة والمتميزة لحضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، على الصعيدين الإقليمي والدولي، ما جعل البحرين أحد أبرز النماذج والتجارب الإنسانية العالمية لترجمة محور هذه الجلسة والتعبير عنها بشكل واقعي.

وفي مستهل الجلسة أوضح معالي السيد محمدو إيسوفو، الرئيس السابق لجمهورية النيجر عضو مجلس حكماء المسلمين ، أن ما يمر به العالم اليوم من صراعات وأزمات سياسية واقتصادية وأمنية إلى جانب قضايا الفقر والجوع والمناخ ، وضعت الشعوب تحت ضغوط هائلة تستوجب التعاون والتقارب والالتقاء عبر حوارات الأديان للعبور بسفينة الإنسانية إلى بر السلام والأمان المنشود.



وأضاف معالي إيسوفو في استعراض تجربة النيجر للتعايش، أن مرجعية جميع البشر ينبغي أن تكون هي الأخوة في الإنسانية بعيداً عن التقارب الفئوي أو التصنيفات البغيضة القائمة على الدين أو المذهب أو العرق واللون والهوية، مؤكداً أن الهوية الإنسانية أشمل وأكثر شمولية.

من جانبه قال نيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الكنيسة المارونية في لبنان، إن ملتقى البحرين للحوار بين الشرق والغرب من أجل التعايش، همزة وصل تربط بين وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها بابا الفاتيكان وفضيلة شيخ الأزهر في أبوظبي عام 2019 من جهة، وبين الرسالة العامة للسلام التي أطلقها بابا الفاتيكان في 2020 تحت شعار"كلنا جميعاً أخوة"، وهذا يؤكد أن البشر جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات والكرامة.

وأوضح نيافة الكاردينال أن التعايش الإنساني يتطلب التزاماً محلياً واقليمياً ودولياً لنبذ التطرف الديني واللعب على عامل الأديان والمعتقدات لتكريس الانقسام والتباعد والكراهية بدلاً من الوحدة بين أبناء الشعب الواحد وجميع شعوب الأرض.

وخلال استعراضه لتجربة بلاده مع التعايش ،أكد أن الحوار بين الأديان المختلفة لا يتحقق بالدبلوماسية والسياسة بل بالصداقة والتعاون وتقاسم القيم الروحية بين مختلف الأجناس ، والانفتاح الحقيقي على الجميع تحقيقاً للأهداف المنشودة من هكذا ملتقيات وحوارات.

إلى ذلك ، حذر نيافة هيرومونك جريجوري ماتروسوف ، رئيس المجلس البطريركي للتواصل مع المسلمين في روسيا الاتحادية من تفاقم خطر النزاعات والحروب لأسباب مختلفة على أمن واستقرار المجتمع الإنساني في ظل تطور العصر ومتطلبات العولمة التي جعلت الحاجة أكثر إلحاحاً للعودة إلى جوهر الأديان طلباً للسكينة والإطمئنان والتدبر في كيفية الوصول إلى عالم يتقبل وجود الآخر مع الاختلاف بدون خلاف.

ولفت نيافة ماتروسوف، إلى وجوب التكاتف بين المؤسسات الدينية والمدنية والحكومية من أجل التصدي للمؤامرات الخبيثة التي تُحاك لضرب السلام بين الأديان وتشويه صورتها عبر الجرائم الإرهابية التي يقترفها بعض المتطرفين باسم الأديان ولكن في حقيقة الأمر هم لا يدركون أنهم يسيؤون لدياناتهم وللبشرية التي تتأثر بفعل هذه الجرائم.

وفي معرض استعراضه لجهود مملكة البحرين في ملف التعايش والسلام ، أشاد الحاخام مارك شناير ، رئيس مؤسسة التفاهم العرقي بالولايات المتحدة الأمريكية، بما تبذله المملكة عالمياً عبر مد جسور التواصل والتقارب بين كافة شعوب العالم عبر مبادرات وممارسات أثبتت نجاحها واكتسبت ثقة كبيرة أهلتها للريادة في هذا المجال وجعلت منها المحطة الثانية خليجياً في زيارات قداسة بابا الفاتيكان الخارجية.

وأكد الحاخام ، أن مملكة البحرين ليست بحاجة لتخصيص عام للتسامح لأنها في واقع الأمر تمارس التسامح والتعايش كل يوم وبالتالي فجميع الأعوام في البحرين تستحق أن تكون أعواماً للتسامح.

واستعرض السيد إيوان سوكا الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي ومقره سويسرا ، عدة تجارب انسانية للتعبير عن التنوع والاختلاف والذي هو جوهر الأديان والأصل المتعارف عليه في الأديان الإبراهيمية بشكل عام.

وأكد السيد سوكا أنه من الضروري الإتيان بقيم مشتركة لمعالجة القضايا والمشكلات والالتزام ببناء الثقة بين الشعوب رغم الاختلافات الكثيرة بينها، وأوضح أن من أهم التجارب في التعايش والتي تواجه البشرية جمعاء في السنوات الأخيرة هي قضايا المناخ التي تتطلب الوحدة والتعاون والعزم الحقيقي لتغيير السلوك البشري للتغلب على هذه الأزمة التي تهدد كوكب الأرض.

وفي ختام الجلسة، قال المستشار الدكتور محمد عبدالسلام، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين إن كلمة "المحبة" هي الكلمة الجامعة التي تردد على لسان جميع المشاركين في جلسات هذا الملتقى الذي يلتئم فوق أرض مملكة البحرين، والتي تعتبر نموذجاً حياً وراقياً في تكريس قيم التسامح والأخوة الإنسانية في أروع صورها.

وأضاف د. عبد السلام، أن العالم في الشرق والغرب يزخر بعدد هائل من المؤسسات المدنية والدينية المستقلة والحكومية التي تعمل سوياً من أجل هدف انساني واحد مشترك وهو إرساء السلام ونبذ الخلافات والتعايش مع الاختلافات بين الأسرة البشرية الواحدة.

وأكد أن العالم الآن أصبح لديه وثيقتين ومرجعيتين انسانيتين هامتين هما : إعلان مملكة البحرين للتعايش السلمي ، ووثيقة الأخوة الإسلامية ، إلى جانب المواثيق العالمية والأممية التي تكفل الحريات وتدعو للسلام والاحترام المتبادل.