سعيد الزويري



تضع الدول استراتيجياتها على محاور متعددة لفترات زمنية متفاوتة، إلا أن ثوابتها في إدارة علاقاتها السياسية الخارجية تأخذ مساحة أكبر من أن يقال عنها استراتيجية.

وتجدها في سبيل الحفاظ على التوازنات في العلاقات تؤكد على أدبياتها العامة التي تنتهجها في أوقات معينة أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك، على سبيل الوضوح والشفافية.

وعلى مدى العقدين الماضيين كان على الأمة العربية أن تمر بمرحلة أقل ما يقال عنها إنها كانت دقيقة وحساسة، فوقف صوت العقل العربي حائراً، إذ كان من العسير أن تتخيل خارطة الوطن العربي منقوصة أو مزيدة.

ولعبت جامعة الدول العربية أدواراً عدة خلال تلك المرحلة، إلا أن أبرز ما قامت به هو السعي للحفاظ على هوية ومكانة وحقوق الشعوب العربية دون المساس بأمن واستقلال ووحدة الدولة الوطنية.

سنوات عديدة مضت كانت نتائجها شاهدة على أي نجاح أو إخفاق، إلا أن قاعدة «بأقل الخسائر» أوصلتنا إلى عالمنا الذي نعرفه اليوم.

تعززت مكانة الجامعة العربية على مختلف الأصعدة، لتشجيعها التعاون العربي - العربي من خلال الاهتمام بقضايا العمالة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والشؤون العلمية والثقافية، ووسائل الاتصال والإعلام، وتشكلت على مدى عقود من الزمن بعض المنظمات التابعة للجامعة العربية، مثل منظمة العمل العربية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، واتحاد إذاعات الدول العربية، والاتحاد العربي للمواصلات السلكية واللاسلكية.

حافظت جامعة الدول العربية على انعقاد مؤتمراتها، وعلى الحالة العربية رغم الاستقطابات الإقليمية والدولية، ولا سيما خلال السنوات
الماضية، ومنذ قمة سرت غير العادية عام 2010 انتظم عقد القمم العربية بشكل سنوي باستثناء عامي 2021 و2022 بسبب الجائحة.

خلال تلك المرحلة تم اعتماد النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان التي جاءت بمقترح من البحرين، ووقفت الجامعة مواقف إنسانية تجاه قضايا المرأة واللاجئين والأطفال، علاوةً على تمثيلها الدول العربية في مختلف المحافل والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة ومنظمة الاتحاد الإفريقي.

كل ذلك دعم دور الجامعة العربية في الإقليم والعالم وساهم في تعزيز دورها للحفاظ على الدول العربية ووحدة صفها والتنسيق فيما بينها تجاه مختلف القضايا ذات الأولوية عربياً.

وفي عالمنا الذي نعرفه اليوم، تأتي استضافة مملكة البحرين لمؤتمر القمة الـ33 للجامعة العربية على مستوى القادة، في تأكيد على أدبيات السياسة الحكيمة التي تقوم عليها مملكة البحرين، حيث تضع المملكة علاقاتها العربية في مقدمة أولوياتها، فتكاد لا تجد مناسبة إلا وتجدد فيها التأكيد على هذا الثابت الذي لا يتغير ومن مختلف المستويات في الدولة بدءاً بصاحب الجلالة الملك المعظم مروراً بالحكومة الموقرة بقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، والوزراء والسفراء وليس انتهاءً بوسائل الإعلام.

وفي ظل هذه الحالة الوطنية التي تعيشها مملكة البحرين فإنها تؤكد على عمقها العربي لدى سائر الدول الشقيقة واعتبارها عمقاً استراتيجياً يعتمد عليه وذا ثقة فائقة لكافة الدول العربية الشقيقة، متكئة على تراث وتاريخ يعود إلى آلاف السنين، ومتسلحة بثقتها في المستقبل الذي بدأته بالأمس وما زالت تمضي إليه، وبشعب يعتز بصلاته العربية ولسانه العربي وهويته العربية، مستنداً إلى إرث آبائه وأجداده في الكرم والفخر، فتجده مُرحباً بضيوف صاحب الجلالة من إخوانه قادة الدول العربية الشقيقة في هذه القمة المهمة، معتزاً بما حققته بلاده من نهضة وتطور، متفائلاً بما ينتظره عالمنا العربي من رخاء وازدهار.