تميّز إقليم البحرين بسعته وبموقعه الجغرافي وتنوّعه الطبوغرافي، ونجحت الشخصية البحرينية بتوظيف ذلك واستغلاله، فتنوّعت الموارد الاقتصادية، حيث مارس سُكّان البحرين أنشطة اقتصادية متنوعة، ومنها الزراعة خصوصاً في النواحي التي عُرفت بخصوبة تربتها، كل ذلك ساعد على حدوث استدامة زراعية ملفتة، فكانت موضع إشادة العديد من الجغرافيين والمؤرخين، فذكر البكري عن بلاد البحرين قائلاً: «هي بلاد سهلة كثيرة الأنهار من العيون، عذبة الماء، ينبطون الماء على القامة والقامتين، والحناء والقطن على شطوط أنهاره بمنزلة السوسن، وهي كثيرة النخل والفواكه، ولهم ثمر يسمى المانجي إذا نبذ وشرب اصفرت الثياب من عرقه، وبساتينهم على نحو ميل منها»، هذه الخصوبة الزراعية كانت ممكنة بفضل وفرة المياه الصالحة للزراعة خصوصاً الجوفية، وتجمّعات المياه في بطون الأودية والجداول قرب السهول الساحلية والداخلية والواحات، وقد استطاع سُكّان البحرين استغلالها في الري من خلال حسن التنظيم والتخزين وتقنين استخدامها ممّا ساعد على ظهور وديمومة البيئة الزراعية في البحرين على الرغم من غلبة النمط الصحراوي فيها.



وبذلك حظي إقليم البحرين بازدهارٍ بارز شكّلت فيه الزراعة ركناً أساسياً في اقتصاده وحياة سُكّانه.



- محاصيل متنوعة: تنوّعت المحاصيل الزراعية في البحرين قبل الإسلام، جاء في طليعتها التمور حيث اشتهرت البحرين بزراعة النخيل وعُرفت بطيب ثمرها فكانت تتمتع بأجود أنواع التمور منها التبي والمكري والتعضوض والخلاص والبرني وغيرها، بما يربو على الثمانمائة نوع، ولشهرة تمورها وكثرتها وتنوعها جاء في المثل «كمبضع تمرٍ إلى هجر». كذلك زرع سكان البحرين الحبوب كالقمح والشعير، بالإضافة إلى مختلف الفواكه مثل الرمان والتين والعنب والأترج، والخضار كالبرسيم والفجل والباذنجان وغيرها.



- صناعات زراعية: ساعد إدراك الشخصية البحرينية لسلوك الحفظ والتخزين على ضمان حصاد وفير وتوزيع منتظم للمنتجات الزراعية طوال العام. فبرزت لديهم العديد من الصناعات الزراعية المزدهرة فكان التمر يستخدم في صناعات أخرى كتجفيف التمر وإنتاج الخل والحلويات. كما كانت صناعة الشعير من الصناعات البارزة، وبهذا التنوع الصناعي القائم على الإنتاج الزراعي، حظي إقليم البحرين بازدهارٍ اقتصادي وتجاري كبير قبل عصر الإسلام.



- الزراعة ورفد التجارة: وفي ظل هذا النظام الزراعي المتكامل، أصبحت البحرين قادرة على توفير احتياجاتها الغذائية بشكل كبير، وحتى تصدير الفائض من المنتجات الزراعية إلى المناطق المجاورة. وبذلك شكّلت الزراعة ركيزةً أساسيةً في الاقتصاد البحريني قبل الإسلام، ممّا عزز من مكانة الإقليم ونمائه وأسهم في رفد العملية التجارية داخل الجزيرة العربية وخارجها.



- استدامة الزراعة.. تاريخ ممتد: أرست البحرين قديماً أُسُس الاستدامة والازدهار الزراعي، والتي تسعى اليوم لتجسيدها مرة أخرى في إطار رؤيتها التنموية الطموحة. واليوم تواصل مملكة البحرين الاستفادة من مواردها الطبيعية والبيئية لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي. وتركز الجهود الحالية على تطوير البنية التحتية للري والزراعة، واستحداث تقنيات زراعية متطورة تتناسب مع ظروف المناخ المحلي تضمن تقنين وحسن استخدام المياه وترشيدها والحفاظ عليها. كما تشجّع المملكة على زراعة محاصيل متنوعة وتبنّي أساليب زراعية مستدامة.



إنّ هذه الالتفاتة إلى الماضي وربطه بالواقع الحالي ليؤكّد على أهمية الزراعة باعتبارها محركاً رئيساً للتنمية المستدامة في البحرين. حيث تسعى المملكة إلى إعادة إحياء قطاع الزراعة وتعزيز مكانته كركيزة أساسية في اقتصادها وأمنها الغذائي عبر الاستفادة من الخبرات التاريخية وتطويرها بما يتناسب مع متطلبات العصر الحديث، وبذلك تتجسّد رؤية البحرين للتنمية المستدامة بما ينعكس على رفاهية مواطنيها وازدهار مجتمعها.



* باحثة أكاديمية في التاريخ الحضاري لمنطقة الخليج العربيّ