من الظواهر المنتشرة في المجتمعات على مر العصور أن يكون للمتحدثين دور كبير في التأثير على الناس، ونقصد بالمتحدثين من يمتلكون فنون الحديث، ومخاطبة الجمهور، سواء من يمتلك فنون الخطابة، أو فن إلقاء الشعر ونظمه، أو القصاصين الذين يرون القصص في المجالس الاجتماعية، أو غيرها من فنون مخاطبة الجمهور، وتلك الفنون في مخاطبة الجمهور كانت ومازالت تستخدم في التأثير على الناس، فيخاطبون مشاعرهم، ويسمعون الناس ما يروق لهم، وفي الوقت نفسه هم يؤثرون في تفكير الناس وآرائهم وبالتالي هم يسهمون في التغير الاجتماعي، وهؤلاء المتحدثون هم وسيلة لنقل الأفكار وإن لم يكونوا هم أصحاب هذه الأفكار.

ففي الزمن القديم كان للشعراء صولة وجولة فهم يتنقلون بين القبائل، وبين الدول ليخاطبوا عقول ومشاعر الناس من خلال الشعر فيؤثرون في وجهات نظر الناس وتفكيرهم حتى إن بعضهم من أشعل الحروب ومنهم من أطفأها بشعره. وفي زمن مضى كان للقصاصين الذين يتجولون بين الأحياء ليقصوا القصص التاريخية، والخيالية والبطولية على الأهالي، فيثيرون حماسة الناس، ويبثوا الأفكار بينهم، ومهما تنوعت أساليب المتحدثين إلا أن دورهم هو التأثير في أفكار وقناعات وآراء الناس، وبالتالي التأثير في المجتمع.

وفي عصرنا الحاضر شاع متحدثون من نوع جديد وهم غالباً ما يكون شباب يتحدثون باللهجة العامية بأسلوب شيق يجذب المشاهدين والمستمعين، وهم يقدمون أحاديثهم هذه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي سواء من خلال الإنستغرام أو اليوتيوب وأحياناً من منصة «x»، ويتميز هؤلاء المتحدثون بالقدرة على التحدث بأسلوب مقبول من الناس، وغالباً ما يتصفون بخفة الظل، والقدرة على التحدث بأسلوب مختصر فلا تتجاوز أحاديثهم دقائق محدودة، ونظراً إلى تمتعهم بمهارة التحدث أو بتعبير آخر مهارة مخاطبة الجمهور باللهجة العامية أو اللغة العامية الممزوجة باللغة العربية الفصحى، فتجد أسلوبهم الشيق في الحديث يجعل الآلاف من الجمهور من جميع أقطار الأرض تتابع حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وتستمع لأحاديثهم الشيقة، حيث يقدمون سلسلة طويلة من الحلقات القصير حيث لا تتجاوز مدة الحلقة دقيقتين أو ثلاث، وتجد الجمهور يتابع تلك الحلقات فيشاهدها ويتقبل الجمهور كل ما يطرح في هذه الحلقات.

وعلى الرغم من أن هؤلاء المتحدثين «المؤثرين الاجتماعيين» يتشابهون في قدرتهم على التحدث بطريقة شيقة وجذابة لاهتمام المشاهدين فإنهم يختلفون في المحتوى والمضمون الذي يقدمونه للجمهور فالبعض يتحدث عن الأزياء، والبعض يتحدث عن خبراته في مجال شراء السيارات، والبعض يتحدث في قضايا اجتماعية، والبعض يتحدث في قضايا اقتصادية، وعلى كل حال فإن أحاديثهم هذه تتنوع بين الغث والسمين، بين التفاهات وبين المعلومات والنصائح المفيدة للناس. وبالطبع بين الحق والباطل، وهذا هو شأن المتحدثين المهرة على مر الأزمان فمنهم من يتحدث بما ينفع الناس ومنهم من يتحدث ليكتسب المال فقط فتلك غايته.

نعم في زمننا هذا كثر المتحدثون المهرة، كما كثر من بينهم المتحدثون الذي يتحدثون في موضوعات تشغل الجمهور بتفاعلات، وهنا نتساءل أليس من الأجدى بنا أن نستثمر قدرة هؤلاء الشباب على التحدث وإقناع الجمهور لطرح موضوعات مهمة، وهنا يأتي دور المختصين في المجالات المختلفة، وهنا أقصد المختصين التربويين، والمختصين الاجتماعيين، والمختصين في مجال الصحة، وغيرها من الاختصاصات التي تسهم في التغيير الاجتماعي، فعلى المختصين الاستعانة بهؤلاء المتحدثين ليتحدثوا في مجالات اختصاصهم فينشروا الفكر السليم بين الجمهور وتوعيتهم في مجال التربية والقضايا الاجتماعية والوعي الغذائي والصحي، ونقصد هنا أن يستثمر أسلوبهم الشيق في الحديث وتأثر الناس بأحاديثهم، في توعية الجمهور في مجالات مختلفة، ونشر الأفكار السليم ونبذ الأفكار غير المرغوبة في المجتمع.

وبالتالي فإن فتح قنوات التعاون بين المختصين وبين المتحدثين في وسائل التواصل الاجتماعي «المؤثرين الاجتماعيين» أمر له أهميته في تطوير المجتمع سواء في توعية الجمهور، ورفع المستوى الفكري للناس، فالمؤثرون الاجتماعيون وسيلة مهمة للتغير الاجتماعي الإيجابي فاغتنموهم.. ودمتم سالمين.