يصادف هذا العام الذكرى الخامسة والثلاتون على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية ومملكة البحرين. على مدى خمسة وثلاثين عاماً، تطورت العلاقات بين البلدين وأصبحت أقوى مع مرور الزمن، مما أدى إلى تعميق الصداقة والتعاون المثمر.
في هذه المناسبة، قام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى
آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم بزيارة رسمية إلى الصين، حضر خلالها الجلسة الافتتاحية للدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، وعقد محادثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
أعلن قائدا البلدين عن إقامة شراكة استراتيجية شاملة بين الصين والبحرين، مما يمثل علامة فارقة في تاريخ تطور العلاقات بينهما.
وقعت الصين والبحرين عدة اتفاقيات تعاون ثنائية في المجالات المختلفة بما فيها الاستثمار، والطاقة الخضراء، والتجارة الإلكترونية، والاقتصاد الرقمي، مما يدفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد.
أشار الرئيس شي جين بينغ إلى أن «البحرين هي صديق وشريك جيد للصين في منطقة الخليج. على الرغم من اختلاف الشؤون الوطنية بين البلدين، فإنهما يتعاملان بصدق وإخلاص ويتعايشان بسلام».
وأعرب حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم عن «أمله في مواءمة استراتيجيات التنمية بين البلدين وتعزيز التعاون الفعلي في مختلف المجالات نتيجة لإقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما، مما يساعد البحرين في تحقيق التنمية المتنوعة».
لم ترفع زيارة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الثقة المتبادلة بين الصين والبحرين فحسب، بل خلقت أيضاً فرصاً جديدة للتعاون بينهما في المجالات الاقتصادية والثقافية وغيرها.
تعتبر الثقة المتبادلة ركيزة أساسية في العلاقات بين الصين والبحرين، حيث يدعم ويفهم كل منهما الآخر في القضايا التي تتعلق بمصالحهما الأساسية.
تظلّ الصين تدعم البحرين في الحفاظ على سيادتها الوطنية وأمنها واستقرارها؛ بينما تلتزم البحرين بسياسة الصين الواحدة وتدعم وحدة الصين وسلامة أراضيها.
سيعمل البلدان على تعزيز التواصل على كافة المستويات، وتوسيع التفاعل بين الإدارات الحكومية وبين المحافظات والمدن في كلا البلدين، وإجراء تبادل الخبرات في الحكم والإدارة، ودفع التنسيق السياسي، وهناك وفود سياحية يأتون أسبوعياً من البحرين إلى مدن الصين الكبرى، الأمر الذي لم يسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري فحسب، بل يساعد أيضاً في تعميق التبادل الثقافي بين البلدين.
يعتبر التعاون الاقتصادي أحد أبرز مجالات العلاقات بين الصين والبحرين. وتعد الصين شريكاً تجارياً مهماً للبحرين، حيث يتعمق التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتمويل والصناعات الناشئة.
تشمل المشاريع الاستثمارية للشركات الصينية في البحرين مشروع إسكان شرق سترة، ومشروع محطة توليد الكهرباء وتحلية المياه بالغاز الطبيعي «المرحلة الثانية» في الدور، وغيرها، مما يعكس تنوع استراتيجية الاستثمار للشركات الصينية في البحرين.
لا تسهم هذه المشاريع في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية في البحرين فحسب، بل تمثل أيضاً نموذجاً مهماً يحتذى به للممارسات الاستثمارية للشركات الصينية في منطقة الخليج.
بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم التكنولوجيا الصينية للاتصالات والسيارات الكهربائية على نطاق واسع في السوق البحرينية. وتتعاون شركات مثل هواوي الصينية مع الشركات البحرينية في بناء شبكات الجيل الخامس وتطبيقها، مما يحسن التحول الرقمي في البحرين من جودة وسرعة شبكات الاتصالات، مما يوفر خدمات رقمية أفضل للشعب البحريني.
على سبيل المثال، في نهاية عام 2023، أطلقت شركة BYD طرازين من السيارات الكهربائية الصافية في السوق البحرينية، هما «هان» و«يوان بلس»، تم إطلاقهما باسم «BYD ATTO3» في الأسواق الدولية. أصبح أداء شركات السيارات الكهربائية الصينية في سوق البحرين يتزايد تدريجياً، وذلك بفضل استراتيجية التنمية المستدامة والاهتمام الكبير بسوق السيارات الكهربائية في البحرين.
مع التطور الشامل للعلاقات الصينية البحرينية، تتوسع مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين باستمرار، حيث تتجه المزيد من الشركات الصينية للاستثمار والقيام بالأعمال في البحرين. كما ويعكس التعاون بين الجانبين في الصناعات الناشئة إمكانيات كبيرة.
يعد التبادل الثقافي جسراً لتعزيز الصداقة بين شعبي الصين والبحرين. تضرب العلاقات بين الصين والبحرين بجذورها في أعماق التاريخ، حيث ربط طريق الحرير البحري البلدين في القرن السابع الميلادي، مما أدى إلى تبادل البضائع مثل الحرير والتوابل والخزف حتى تحقيق التعارف والتفاهم بين البلدين حكومة وشعباً.
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، تطورت العلاقات بين الصين والبحرين بثبات، وحقق التبادل الثقافي نتائج إيجابية. يشمل التعاون الثقافي بين الصين والبحرين التعليم والفن وحماية التراث الثقافي وغيرها من المجالات المتنوعة. وقد تمَّ تأسيس معهد كونفوشيوس في جامعة البحرين عام 2014، ليصبح أكبر منصة لتعليم اللغة الصينية في البحرين، حيث تم إدراج دورات اللغة الصينية في نظام النقاط الدراسية الجامعية بالبحرين، وقد تجاوز عدد الطلاب المسجلين فيها 5000 طالب.
لا يوفر معهد كونفوشيوس في جامعة البحرين فرصة سانحة للطلبة البحرينيين لتعلم اللغة الصينية فحسب، بل أصبح أيضاً جسراً للتبادل الثقافي بين الجامعات الصينية والبحرينية وحتى بين دول الخليج.
في مارس 2021، وقعت الصين والبحرين على «اتفاقية بشأن إنشاء مراكز ثقافية متبادلة» و«خطة تنفيذ التعاون الثقافي بين وزارة الثقافة والسياحة في جمهورية الصين الشعبية وهيئة الثقافة والآثار في مملكة البحرين للفترة ما بين عام 2021 إلى عام 2025»، مما يدلّ على دخول التعاون الثقافي بين البلدين مرحلة جديدة.
تعتبر البحرين واحدة من أولى دول الخليج التي تفتح تأشيرات الدخول عند الوصول لحاملي جوازات السفر الخاصة الصينية، ومؤخراً، أطلقت شركة طيران الخليج البحرينية رحلات مباشرة بين البحرين وشنغهاي وقوانغتشو بالصين، مما يعزز التبادل الشخصي بين البلدين.
مع مرور 35 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والبحرين، وتطلعاً إلى المستقبل، من المتوقع أن تحقق العلاقات بين البلدين تقدماً جديداً في مجالات أوسع.
ومع مواءمة مبادرة «الحزام والطريق» الصينية مع «رؤية البحرين للتنمية الاقتصادية 2030»، سيتزايد التعاون بين الصين والبحرين بشكل أوثق في مجالات البنية التحتية والتجارة والاستثمار والتمويل، وبالتالي فإن العلاقات بين الصين والبحرين ستشهد مستقبلًا أكثر إشراقاً.

ووي وي يانغ
* باحث في مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة «صن يات سين»