محمد الرشيدات

الأجهزة الذكية تحلل أنشطة المستخدم لإنتاج إعلانات تناسبه
سبكار: أجهزتنا تسمعنا لتحلّل ما نُدخله من معلومات
العبيدلي: باحثون طوروا نظاماً محمولاً يترجم الموجات الدماغية إلى نص



عندما ترى أن ما يخطر في بالك من أفكار وأمنيات ورغبات، هو في الحقيقة تحت مِجهر المراقب السرّي الذي تحمله في يدك، الهاتف، نعم عزيزي القارئ، هاتفك الذي أوصله العلماء إلى أن يتجرّأ ويقرأ ما يجول في عقلك تماماً من قبل أن تتفوّه بكلمة، ليصيبك ذلك بالدهشة، وأحياناً أخرى بالاستغراب، فمثلاً، وقتما ينتابك الاشتهاء لتناول صنف غذائي معين، أو نوع من الحلويات، وأحياناً أخرى يرد على لبّك موضوع ما، سرعان ما تجد أن ترجمة صمتك قد تكفّل الهاتف بسماعها، ليظهر لك مقطعاً للفيديو على أحد مواقع التواصل الاجتماعي الذي تستخدمه لحظتها، يحوي ويشابه ما جاء في خاطرك.
إذاً، هو تأكيد على ما وصلنا إليه في وقتنا الحالي من نقلة تكنولوجية متطورة، كان البشر يحسبونها منذ زمن ليس بالبعيد خيالاً علمياً وضرباً من الجنون، إلّا أن علماء الابتكار التقني استطاعوا محاببة الواقع الافتراضي وكشف أسراره العميقة التي بالكاد يُلمّون بـ10% من تمامها وكمالها، لينجحوا بالإضافة إلى النجاحات السابقة والمستمرة في أن يصلوا بأدوات العولمة إلى مرحلة تتمكّن من خلالها من قراءة الأفكار وتحويلها إلى كلمات ومقاطع صوتية ومرئية كذلك تشابه ما يدور في خَلدِ المستخدم تماماً.
في الآونة الأخيرة برزت دراسة أجراها عدد من الباحثين البريطانيين تمّ التوصل إليها بعد استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، أفادت بأن الهاتف المحمول وحتى جهاز الحاسوب في مكتبك أو في بيتك يمكنهما قراءة أفكار الشخص وترجمتها من خلال نشاط دماغه، وترجمة ما يريد قوله وحتى ما يفكّر به إلى لغة مفهومة، لتتلقاها وسيلة التواصل وتقوم بمعاينتها وحلّ رموزها، وهذا بلا أدنى شك وعلى الضفّة الثانية من قضية البحث هذه، قد عبيدلي العبيدلي أثار مخاوف عند بعض العلماء والمطوّرين، تتمحور حول حدوث اختراق لـ«الخصوصية العقلية» الخاصة بالأشخاص وما يفكرون به، وعليه تبرز الحاجة مع تحسّن التكنولوجيا أكثر فأكثر ووصولها إلى آفاق لا يمكن استيعابها، في سَنِّ سياسات تحمي الخصوصيةَ العقلية لكل مستخدم، بغض النظر عن فحوى ومضمون الشيء الذي يراوح مكانه في رأسه وما يتخيّله.
رئيس مجلس إدارة النادي العالمي للإعلام الاجتماعي علي سبكار، بيّن لـ«الوطن» أن أجهزتنا تسمعنا بكل اختصار، ولا يوجد شكّ في ذلك، موضحاً أننا اليوم عندما نتكلم عن أي أمر ما، أو نوثّق اللحظة بلقطة تصويرية، مباشرة تقوم الأجهزة الذكية بتخزين ذلك، ومع ظهور العديد من التطبيقات العولمية التي تسكن جسد تلك الأجهزة، فإنه من الواجب أن نعي درجة الذكاء التي تسكنها بسبب خاصيات الذكاء الاصطناعي الموجودة فيها، والتي وصلت إلى درجة عالية من التحليل الدقيق وربط الأشياء بعضها ببعض.
وقال سبكار إنه وقتما يكون الإنسان مارّاً في طريق ما وشدّ ناظريه إعلان معين، حفّزه لأن يقوم بتصويره من خلال الجهاز الذي يمتلكه، وهذا ما يُوجِدُ عملية يتولى جهازه القيام بها، ألا وهي تحديد المكان والزمن الذي تم فيه تصوير الإعلان وفحوى اللقطة التي أُخذت، ليتم تحليل بياناتها وتبسيطها سواءً إذا كان جهاز «أندرويد» أو «IOS»، ما يترتّب عليه من ورود أخبار ومعلومات لا تخرج عن دائرة ذلك الإعلان المرغوب من قبله، والمُسْتَهْدَفِ لمحاكاة رغباته.
براءة من قفص الاتهام منحها سبكار في أن الأجهزة الذكية تقوم بالتصنت، لافتاً إلى أن جميع مستخدميها أعطوا الموافقة المسبقة لها في الإطلاع على كل صغيرة وكبيرة ينشرونها، ففي كل تطبيق تكون هناك سياسة الخصوصية ومن الواجب على كل مستخدم الموافقة عليها، والغالبية العظمى منهم يوافقون دون قراءة بنود الاتفاقية، وهذا من شأنه أن يسمح للقائمين على تلك التطبيقات بتحليل البيانات وحل رموزها، ولعل من أبرز تلك التطبيقات الأكثر استخداماً حول العالم، هو تطبيق الواتس أب الذي له من المساحة والحرية ما يكفي في أن يقوم بترجمة كل قول وكل فعل وجميع أشكال توثيق اللحظات من صور وفيديوهات دون الرجوع إلى المشتركين فيه.
وأضاف بطرحه مثالاً معيناً: عندما تقرر السفر إلى وجهة معينة، من دون أن تنطق حرفاً، سرعان ما تجد في أثناء تصفّحك مواقع التواصل الاجتماعي ذلك الكم الهائل من عروض شركات الطيران وقد بدأت ترد على ناظريك، لتنال تفضيلك بقبول عرض معين على حساب الآخرين، مبيّناً أن الشبكة العنكبوتية بجميع تطبيقاتها والإعلانات التي تبحر فيها كلها مرتبطة بسلسلة واحدة، فأي تصرّف من قبل المستخدم لجهازه تعطي لهم الحق في استقبالها والتصرّف بها وغربلة مضمونها، لتضع بين يديه كمية هائلة من المعلومات والتفاصيل تتعلّق بما يفكّر به.
واستطرد سبكار: البعض قد يظنّ أن تلك الطريقة تعكس عدم احترام الشركات المسؤولة عن الأجهزة أو عن التطبيقات لخصوصية المستخدم، ولكن إذا ما نظرنا إلى النصف الآخر من الموضوع، نجد أن تلك الشركات تقدّم لك معلومة ووسيلة بحث مجّانية دون عناء منك، وتقوم بتزويدك بأفضل العروض والقراءات التي تنسجم مع ما تخطط له، ومع ما ينطبق مع تفكيرك.
وأشار إلى أن المستخدم الذكي يمدّ طرف الخيط لجهازه فيما يفكّر به، ولكن يتمهّل بإبداء إعجابه من عدمه، وفي ذات السياق، مهما بلغ الجهاز من الذكاء، لا بُدّ أن يكون له حد يقف عنده، فمن الواجب أن نقوم بالسيطرة على جموح تلك الفطنة التي تتمتّع بها الأجهزة، حتى وإن كان تحليلها للبيانات عالياً جداً، ولكن لا يمكن أن يفوق عقل الإنسان المليء بخلايا دماغية هي من كانت طريقاً لتلك الطفرة التكنولوجية المتمثّلة بأجهزة الهاتف والحاسوب معاً وغيرها الكثير.
من جانبه، أوضح رئيس الاتحاد العربي لصناعة الاتصالات وتقنية المعلومات عبيدلي العبيدلي لـ«الوطن»، إذا كانت تلك الأخبار صحيحة فهي تثير قضية مهمّة تتعلق بجوهر التقنية، وهي كيف يتسنى لهذه البرمجيات أو التقنية التي نستخدمها الوصول إلى أدمغة المستخدمين، وقراءة ما يدور في عقولهم؟
مجيباً عن سؤاله بنفسه، إذ تستند قدرة تكنولوجيا الهاتف المحمول الذكية على ترجمة أفكار المستخدمين إلى كلام أو نص على تطورات علمية حقيقية، على الرغم من أنها لا تزال في المراحل التجريبية وغير موثوقة تماماً أو متاحة على نطاق واسع.
وأضاف العبيدلي أن التطورات الأخيرة تتضمّن أنظمة غير جراحية تستخدم إشارات تخطيط كهربية الدماغ تُعرف باسم (EEG) Electroencephalography لفك تشفير نشاط الدماغ، فعلى سبيل المثال، أنشأ باحثون في جامعة سيدني للتكنولوجيا (University of Technology Sydney) نظاماً محمولاً يترجم الموجات الدماغية إلى نص.
فالوصول إلى ذلك كان عبر تطبيق التجربة على مجموعة من المشاركين يرتدون قبعة تسجل موجات الدماغ الخاصة بهم، ليحقق الاختبار درجة دقةِ ترجمةٍ جيدة تبلغ حوالي 40% على مقياس BLEU-1، والذي يقيس التشابه مع الترجمات المرجعية عالية الجودة، ومع ذلك، فإن التكنولوجيا تكافح حالياً من أجل تحليل الترجمة وتحويلها إلى كلمات دقيقة وتحقيق مستويات دقة أعلى مماثلة لأنظمة ترجمة اللغات التقليدية.
وتشمل الجهود الأخرى زراعة الدماغ التي تراقب نشاط الدماغ مباشرة لترجمة الأفكار إلى كلام، إذ طور الباحثون في جامعة كاليفورنيا بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية غرسات دماغية تستخدم الذكاء الاصطناعي، تتيح التعلم العميق لتحويل الأفكار إلى جمل كاملة، وهذه الغرسات أكثر إتقاناً ولكنها تنطوي على إجراءات غازية تحد من تطبيقها العملي لأولئك الذين يعانون من إعاقات شديدة في الكلام أو حالات مثل التصلب الجانبي الضمور المعروف علمياً بـAmyotrophic Lateral Sclerosis (ALS).
ولفت العبيدلي إلى أن المخاوف الفنية تتركّز حول كيفية قراءة هذا البرنامج لعقول المستخدمين، بالاستناد إلى ما تعتمده هذه الأنظمة عادة من اكتشاف وفك تشفير أنماط نشاط الدماغ المرتبطة بأفكار محددة أو كلام متخيل، لتتطلب هذه العملية نماذج الذكاء الاصطناعي متطورة وشبكات عصبية لتفسير الإشارات بدقة، وعلى الرغم من أن التكنولوجيا واعدة، فإنها لا تزال في مهدها وتواجه تحديات مثل الضوضاء في إشارات EEG، والحاجة إلى معايرة شخصية لكل مستخدم.
باختصار، ربما تستند تلك الأخبار إلى بحوث علمية أو أكاديمية، لكنها، أي هذه التكنولوجيا ليست موثوقة تماماً للاستخدام اليومي ولا تزال في المقام الأول في مرحلة البحث والتطوير.