حسن الستري:

ليست طرفة ولا خيالاً بل هي الحقيقة، تساؤلات تقدمها "الوطن" للمسؤولين هل سيكون القانون رقم 8 لسنة 2009 الخاص بمكافحة التدخين والمرسوم بقانون رقم 27 لسنة 2015 بشأن السجل التجاري وموادهما حبراً على ورق؟ فحينما تصبح مخالفة القانون أمراً واقعاً يغض المسؤولون الطرف عنه، هنا تقرع نواقيس الخطر، فالتدخين آفة العصر، وقانون مكافحة التدخين والتبغ بأنواعه رقم 8 لسنة 2009 منح الاختصاص لوزارة الصحة في تقرير العمل وتقرير جواز تخصيص أماكن المقاهي والمطاعم وغيرها من المحلات التي تقدم التبغ ومشتقاته لأغراض التدخين، إلا أن القانون ذهب إلى إغلاق المحلات المخالفة لا السكوت عنها، ورغم أنه في السابق، وبحسب ما كان قائماً في ذلك الوقت يتم اتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية للمقاهي التي لا تلتزم بالقانون وإزالة الشيشة عبر إحالتها للنيابة العامة وغلق محلاتها بالتنسيق مع الجهات المعنية، اليوم ارتفع عدد المقاهي غير المرخص بحوالي 232 مقهى أي أكثر من المرخص لها التي يقدر عددها بحوالي 175 مقهى بحسب تصريح لرئيس لجنة المطاعم والمقاهي بغرفة تجارة وصناعة البحرين.

الأسبوع الماضي قامت وزارة الصحة بإغلاق أحد المقاهي في محافظة العاصمة لمزاولته نشاط تقديم الشيشة بدون ترخيص وجملة من المخالفات الصحية الأخرى، حيث قامت الوزارة بتنفيذ قرار الغلق الإداري طبقاً للبند رقم 2 من المادة رقم 77 من القانون رقم 3 لسنة 1975 بشأن الصحة العامة وتعديلاته، والذي تم تنفيذه لاحقاً بغلق أبواب المقهى بالشمع الأحمر.



القانون لا يطبق!

يذهب البند رقم 2 من المادة رقم 77 من القانون رقم (3) لسنة 1975 بشأن الصحة العامة الذي استندت عليه وزارة الصحة في إجرائها سالف الذكر إلى أنه "إذا لم يكن المحل مستوفياً للمتطلبات والقواعد الصحية المنصوص عليها في هذا القانون أو أي قانون آخر أو أن حالة المحل تشكل خطراً على الصحة العامة، فيقوم المفتش المفوض بإصدار إخطار كتابي يوقع عليه مالك المحل أو المسؤول عن إدارته، ينذره المفتش بموجبه بإزالة أسباب أو موضع المخالفة خلال فترة زمنية معقولة فإذا لم يقم من وجه إليه الإخطار بتنفيذ متطلبات الإخطار خلال الفترة المحددة لذلك جاز للمفتش المفوض بعد موافقة السلطة المنفذة غلق المحل إدارياً، وفي هذه الحالة يجوز التظلم من قرار الغلق أمام المحكمة الصغرى.

أما المادة رقم 20 من المرسوم بقانون رقم 27 لسنة 2015 بشأن السجل التجاري التي تحمل عنوان "التدابير التي يجوز اتخاذها عند المخالفة" بشكل صريح إلى حق الإدارة المعنية بوزارة الصناعة والتجارة والسياحة حين عدم امتثال المخالف بإزالة المخالفة على أن تصدر قراراً بوقف القيد في السجل التجاري، توقيع غرامة إدارية تحتسب على أساس يومي لحمل المخالف على إزالة المخالفة بما لا يتجاوز ألف دينار يومياً بما لا يتجاوز عشرين ألف دينار يومياً، أو شطب القيد في السجل التجاري، كما يتعين عند تقدير الغرامة مراعاة جسامة المخالفة، والعنت الذي بدا من المخالف، والمنافع التي جناها، والضرر الذي أصاب الغير نتيجة لذلك.

وتبعتها المادة 21 في ذات القانون تحت عنوان "التنفيذ بالطريق الإداري والقوة الجبرية" والتي أعطت للوزارة التنفيذ بالطريق الإداري والاستعانة بالقوة الجبرية عند الاقتضاء لوقف المخالفة لأحكام هذا القانون، ويتحمل المخالف في هذه الحالة جميع النفقات التي تكبدتها الوزارة.

"الوطن" أخذت على عاتقها زيارة منطقة سوق واقف بالهملة – أحد المناطق المكتظة بهذه المحلات غير المرخصة - ميدانياً للوقوف على ما يجري على أرض الواقع بشكل حقيقي، حيث استطلعت آراء عدد من أصحاب المقاهي المرخصة – تحتفظ الوطن بأسمائهم- هناك، بالإضافة إلى عدد من المواطنين حينها، ومن خلالها رصدت جملة من المخالفات تم كتابة معظمها في هذا التقرير.

الجهات المسؤولة.. صماء

يقول أحد أصحاب مقاهي الشيشة -المرخصة- التي تقع في تلك المنطقة لـ "الوطن":" لم نلمس أي تعاون وتحرك جاد من الجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارة الصناعة والتجارة، وحين نرفع صوتنا تجاه التنافس غير القانوني، نحصل على الأذن الصماء، ولم يبقى سبيل لدينا اليوم سوى مواجهة الواقع وتجاهل عدم تطبيق القانون، فنحن ندفع رسوماً سنوية تفوق 600 دينار لتجديد رخصة السجل مع ترخيص الشيشة، بالإضافة إلى الاشتراطات الخاصة بهذا النشاط التي تطبقها وزارة الصحة والبلديات وغيرها من الجهات الرسمية والمنافسون المخالفون قانونهم خمس نجوم، فلا رسوم ولا اشتراطات صحية وهذا يعكس مناخاً تجارياً محبطاً جداً، خاصة وأن البعض قد يكون قام بشراء المقهى المرخص سر قفلي بمبلغ باهض حرصاً والتزاماً منه بالقانون في حين البعض لا يتورع بمزاولة العمل علانية بشكل مخالف.

ولفت إلى أن المخالفين يتقدمون في بداية المطاف للحصول على السجل لفتح مطعم وبعد ذلك يقومون بتقديم الشيشة دون أخذ الترخيص اللازم الذي يتطب اشتراطات والتزامات حددها القانون، ففي نهاية المطاف الترخيص لتلك المحلات لافتتاح مقاه أو مطاعم تقدم الوجبات والمشروبات فقط لا أن تكون مقاهي شيشة.

وأشار إلى تضرر المقاهي الكبير جراء رفع الحظر عن الشيشة الإلكترونية والسماح بها، معتبراً أن ذلك شكل ضربة موجعة أصابت المحلات في مقتل، متسائلاً عن أسباب السماح بها دون أية رسوم أو ضرائب في الوقت الذي ترفع فيه الرسوم والضرائب على مشتقات التدخين الأخرى ويسبب ضرراً كبيراً إضافة إلى المحلات المخالفة التي تنافس المقاهي المرخصة دون رادع لها.

العرض يفوق الطلب

وفي هذا الصدد، كشف أحد أصحاب مقاهي الشيشة -المرخصة- التي تقع في تلك المنطقة عن وجود أكثر من 20 محلاً تعمل بنشاط مطعم جميعها غير مرخص لها مزاولة نشاط تقديم الشيشة يقابلها نحو 7 مقاه مرخصة تواجه منافسة غير عادلة نظراً لكثرة انتشار المقاهي غير المرخصة مقابل حجم الطلب في السوق، موضحاً أن عدد تلك المحال في ازدياد ولا تلقى أي نوع من الردع والمحاسبة مطلقاً، معتبراً أن ذلك مؤشر يدعو للقلق نتيجة عدم تطبيق القانون، مشدداً على تضرر المقاهي المرخص لها تقديم الشيشة كثيراً حيث يعاني بعضها من مشاكل مالية نتيجة المنافسة غير القانونية والتي تخل بميزان العدالة والتنافسية، وضرب مثلاً قائلاً:" ليس من المعقول أن تشاهد مجموعة مخابز شعبية أو محلات بيع زهور أو صيدلية متجاورة مثلاً في رقعة جغرافية معينة في أي منطقة في البحرين مقارنة بنشاط الكراجات أو محلات المواد الغذائية مثلاً، فهذه الأنشطة طبيعتها مختلفة وزبائنها هم من العامة وأيضاً طبيعة المقاهي تتشابه نوعياً مع المخابز الشعبية مثلاً".

وأوضح في حديثه لـ "الوطن" أن عدداً كبيراً من تلك المقاهي غير المرخصة مؤجرة بالباطن لآسيويين لا يراعون أبسط الاشتراطات الصحية التي يجب توافرها في مقاهي الشيشة.

ولفت إلى أن بعض تلك المقاهي لا تعدو عن كونها محلات تفتتح أبوابها للزبائن من دون الحصول على سجل تجاري أساساً أو سجلاتها تخالف أنشطتها، وترى جميع عمالتها من "فري فيزا" دون أي حسيب أو رقيب، متسائلاً أين المحاسب لهذه المقاهي التي تعمل من دون سجل من الأساس؟ هل القانون يسمح بذلك؟.

وفي ذات السياق، لم تتمكن الصحيفة من الحصول على رأي أحد أصحاب تلك المحلات غير المرخصة، لتجنب العمالة الآسيوية فيها الحديث أو الإرشاد عن صاحب المحل.

دعوات للسلطة التشريعية

أما (ع.م) أحد أصحاب المقاهي المرخصة، فعبر عن دعوته للسلطة التشريعية للعمل على المساءلة القانونية من أجل القضاء على ظاهرة المقاهي غير المرخصة بشكل صريح تماشياً مع قانون مكافحة التدخين الصادر عام 2009، موضحاً أن المخالفة تنقسم إلى شقين صحي وقانوني تتحمل تبعاتها كل من وزارة الصحة ووزارة الصناعة والتجارة والسياحة، مؤكداً أن القوانين توجب أن يكون أي عمل تجاري منظماً وحاصلاً على التراخيص اللازمة وفقاً للقانون.

واعتبر أنه من غير المقبول على سبيل المثال مزاولة أي فني كهرباء هذه المهنة بدون ترخيص لهذا النشاط أو أن يفتح مثلاً طبيب أسنان عيادة لتعمل في مجال التجميل أو عيادة باطنية، مؤكداً أن هذا ينعكس أيضاً على المقاهي والمطاعم غير المرخصة أو غيرها من الأنشطة، مشدداً على أن خلق الفوضى في السوق أمر مرفوض وليس مقبولاً بتاتاً.

مقاهٍ تعمل في شقق!

إلى ذلك، حرصت "الوطن" على أخذ رأي المواطنين، حيث كشف المواطن (ف.ج) أحد مرتادي المقاهي في تلك المنطقة عن أن المقاهي غير المرخصة انتشرت بشكل غريب في السنوت الأخيرة، داعياً إلى وقفة جدية تجاهها، معتبراً أنها تعج بالمخالفات الصحية وتفتقر للنظافة وعدم الرقابة عليها.

أما المواطن (ع.خ) فبين عدم معرفته بداية ارتياده للمقاهي بالفرق بين المقاهي المرخصة أو غير المرخصة، لافتاً إلى ملاحظته عندها اختلافاً في خدماتها ومستوى نظافتها وعمالتها، ورأى أن المقاهي المرخصة تخضع لمواصفات دقيقة ولديها مؤهلات من ناحية العمالة وجودة الخدمة ومستوى النظافة مقارنة بالمقاهي غير المرخصة.

الصحة: يحالون إلى النيابة

بدورها قالت الوكيل المساعدا للرعاية الأولية والصحة العامة د.مريم الهاجري:" مع نظام سجلات لا يسمح بفتح أي منشأة تجارية تخضع للرقابة الصحية إلا بترخيص من قبل وزارة الصحة، وجميع هذه المنشآت التي تخضع للرقابة تأخذ ترخيصاً من الجهة المعنية من بعد ما تسجل في سجلات.

وتابعت:" أي شخص يقدم الشيشة من دون ترخيص يحول للنيابة ويطبق عليه القانون، نحن نقوم بالتفتيش على المقاهي والمطاعم للتأكد من التزامها بالقانون، كما نتلقى شكاوى المواطنين، ومجرد ما تصلنا أي شكوى نقوم بدورنا، ونأخذ الإجراء اللازم تجاهها.

تكاليف التشغيل

قال رئيس لجنة المطاعم والمقاهي بغرفة صناعة وتجارة البحرين أحمد السلوم إنها تواصلت مع الجميع من أجل الوصول إلى صيغة تنصف الجميع، وتم التواصل مع وزارة شؤون البلديات بهدف تنظيم الوضع الحالي خاصة في ظل وجود من يعمل بدون ترخيص.

وأوضح أن الالتزام بالقانون يرفع من تكاليف التشغيل وعدم الالتزام يخفض من ذلك لدى المقاهي، مشيراً إلى أن الحكومة بدأت بفرض الرسوم اليوم وزيادتها على المقاهي المرخص لها الشيشة، فعليها من باب العدالة أن تبدأ بالمخالفين أولاً وتطبق عليهم القانون.

ولفت السلوم إلى أن اللجنة بصدد الالتقاء بوزارة الصحة لتقديم الرؤية الكاملة لتوافق عليها مع الوزارة من أجل بلورة تعديلات تلائم الوضع الحالي وتحلحل من المشكل القائمة في سوق المقاهي، داعياً إلى أن تصدر غرامات بحق المقاهي المخالفة لحين رفع المخالفة أو تصحيحها، مبيناً أن المخالفة تدعو أصحاب السجلات للتفكر قبل الإقدام عليها.

العدسة ترصد

وفي مسح سريع من خلال جولة قامت بها "الوطن" خلصت إلى تمركز المقاهي غير المرخصة في منطقة سوق واقف بالهملة، بالإضافة إلى منطقة شارع البديع ومدينة عيسى، والمنامة، عدسة "الوطن" حرصت على رصد عدد من تلك المحلات غير المرخصة، تتركها الصحيفة للمسؤولين لتطبيق القانون والأدوات المتاحة تجاهها.