أعلنت هيئة البحرين للثقافة والآثار، أن آخر أعمال التنقيبات الأثرية خلال موسم التنقيب 2019-2020، أثمرت عن اكتشاف "حديقة دلمونية"، و9 تلال دلمونية صغيرة من النوع المبكر، بجانب مبنى في سماهيج يعود إلى القرن السابع الميلادي.

كما أسفرت الكشوفات الأثرية في منطقة مقابة، عن اكتشاف مدافن من فترة تايلوس "حوالي القرن الأول إلى الثاني قبل الميلاد" ومن فترة دلمون المبكرة "الألفية الثانية قبل الميلاد" إضافة إلى بقايا مسجد ومقبرة.

وأثمرت أعمال التنقيبات الأثرية المستمرة في البحرين عن العديد من الاكتشافات الجديدة التي وسّعت آفاق فهم تاريخ المملكة الممتد لآلاف السنين، حيث أعلنت الهيئة خلال مؤتمر صحفي بثّته عبر الإنترنت أمس، عن نتائج هذه الأعمال والجهود التنقيبية التي تمّت بالتعاون مع عدد من بعثات التنقيب الدولية اليابانية، البريطانية، الدنماركية والفرنسية.



وقدّم المؤتمر الصحفي كل من رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ومدير إدارة المتاحف والآثار بهيئة الثقافة الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة.

ويأتي بث المؤتمر الصحفي بالتزامن مع اليوم العالمي للمواقع الأثرية والذي يوافق 18 أبريل من كل عام، حيث كان المجلس الدولي للآثار والمواقع، تقدّم بطلب تعيين هذا اليوم عام 1982 وأقره الاجتماع العام لليونسكو عام 1983.

وأكدت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، أهمية الثقافة في ظل الأزمات وضرورة إلقاء الضوء على الماضي العريق للشعوب والاحتفال به.

وقالت الشيخة مي : "اعتدنا أن نلتقي بكم كل عام لنحتفل باليوم العالمي للآثار والمواقع، هذا العام مختلف لذلك لقاؤنا معكم عن بُعد".

وحول آخر المكتشفات الأثرية لأعمال التنقيب في البحرين، قالت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة إن أحد أكثر الاكتشافات أهمية لهذا العام هو ما يعتقد أنه دليل على "حديقة دلمونية".

وأوضحت أن هذا الاكتشاف يتماشى مع ما يتم تداوله من أساطير بأن دلمون "جنة مفقودة" ومع النظريات التي تطرح بشكل علمي تميز دلمون بالخضرة والزرع ومياه الينابيع الوفيرة، مشيرة إلى أن الدراسات القادمة ستؤكد ما اكتشفه المنقبون حول هذه الفترة من تاريخ مملكة البحرين.

ولفتت إلى أن اكتشافاً أثرياً هاماً آخر هذا العام تم التنقيب عنه في منطقة سماهيج في المحرّق، حيث تم الكشف عن مبنى يعود إلى القرن السابع الميلادي، مضيفة: "ربما يكون ديراً أو كنسية..كانت سماهيج مركزاً للمسيحية قبل وبعد ظهور الإسلام، ومن هنا نستدل على التاريخ الطويل للتسامح الديني الذي تتمتع به البحرين".

وبينت الشيخة مي بنت محمد أن هناك الكثير من المكتشفات الجديدة، موضحة أنها المرة الأولى التي يقوم فيها الفريق الدنماركي بأعمال تنقيب أثرية في موقع قلعة البحرين منذ عام 1978 في محاولة لإماطة اللثام عن بقايا أثرية لم يتم كشفها مسبقاً.

وجاءت المكتشفات الأثرية التي تم استعراضها ضمن عدة مشاريع تنوعت ما بين التنقيب والصون والتوثيق وعملت عليها فرق مختلفة.

ففي مجال التنقيب تم إلقاء الضوء على مشروع التنقيب في منطقة سماهيج في المحرّق والذي عمل عليه فريق بريطاني-بحريني برئاسة البروفيسور تيموثي انسول من جامعة إكستير بالمملكة المتحدة، ومشروع التنقيب في مزرعة جمعة الواقعة في منطقة مقابة وعمل عليه فريق من هيئة البحرين للثقافة والآثار، مشروع تنقيب جامع المهزع بوسط مدينة المنامة من قبل فريق من هيئة الثقافة.

كما تم إلقاء الضوء، على مشروع تنقيبات موقع تلال مقابة من قبل فريق ياباني من معهد كاشيهارا للآثار ومشروع تنقيبات موقع وادي السيل من قبل الفريق الياباني للآثار برئاسة د.ماساشي أبيه.

أما بالنسبة لمشاريع الصون والتوثيق، فتضمنت مشروع توثيق معابد باربار الذي عمل عليه فريق جامعة كانساي اليابانية ومشروع توثيق ورسم خرائط تلال مدافن دلمون الذي تعاونت فيه هيئة الثقافة مع الفريق الياباني برئاسة د.أكينوري.

سماهيج.. مهد التسامح الديني في البحرين

إلى ذلك، تطرق مدير إدارة المتاحف بالهيئة الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، إلى ما قام به الفريق البريطاني - البحريني من مركز الآثار الإسلامية بجامعة أكسيتر بالمملكة المتحدة والهيئة بأعمال تنقيب في موقعين بالمحرق لهذا العام، برئاسة البروفيسور تيموثي انسول.

وأشار إلى أن الموقع الأول يتواجد بمدينة المحرق القديمة، حيث أظهرت نتائج التنقيب وجود بقايا لاستيطان يعود للفترة الإسلامية المبكرة، حوالي القرن الثامن الميلادي والفترة المتأخرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي.

واستكمل الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة حديثه حول أعمال التنقيب في المحرّق، موضحاً أن الموقع الثاني يقع على تل مسجد الشيخ مالك بمقبرة سماهيج.

ولفت إلى أن العمل في الموقع تمت مباشرته بناء على طلب من قبل أهالي سماهيج والأوقاف الجعفرية لاستكشاف بقايا مسجد قديم يعرف باسم مسجد الشيخ مالك؛ بهدف بحث إمكانية ترميمه أو إعادة بنائه.

وتابع "نتائج التنقيب أدت إلى استيضاح معالم وجدران المسجد الذي تبين أنه يتكون من غرفة الصلاة والفناء المكشوف، إلا أن أعمال التنقيب كشفت وجود جدار أسفل جدار القبلة يعود لبناء آخر أقدم من المسجد ويوجد به انحراف عن اتجاه القبلة". وخلال آخر مراحل مشروع التنقيب نهاية العام الماضي، اتضح وجود بقايا مبنيين، المتأخر عبارة عن مسجد يعود بحسب رواية الأهالي إلى القرن السابع عشر الميلادي. والمبنى المبكّر عبارة عن مبنى كبير تبلغ أطواله 17 م × 10 م ، وارتفاع بقايا جدرانه تصل إلى 110 سم، والذي ربما كان جزءاً من دير أو منزل كبير أو كنيسة.

وبناء على دراسة الفخار المكتشف في الموقع، بواسطة البروفيسور روبرت كارتر، تبين أن تاريخه يعود إلى القرن السابع الميلادي ومن المحتمل أن يكون المبنى مشغولاً ومأهولاً في القرن السابع الميلادي قبل اعتناق أهالي هذه المنطقة للإسلام. ويتكون المبنى من عدة غرف مزينة بالجص المنحوت او المزخرف، حيث عُثر على قطعة حجرية تالفة عليها نقش صليب. فيما تم العثور على صليب آخر ملون على كسرة وعاء فخاري مزجج.

وتشير المكتشفات الأثرية في الموقع إلى أنه من المحتمل أن هؤلاء المسيحيين كانوا جزءًا من الكنيسة النسطورية التي ازدهرت في الخليج على الأرجح بين القرنين الخامس والسابع الميلادي.

مزرعة جمعة في مقابة..دلالات على "دلمون المفقودة"

وحول مشروع التنقيب في مزرعة جمعة الواقعة في منطقة مقابة، قال الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة إن الموقع يتكون من 3 عناصر أساسية هي تلة تايلوس، الجامع والمقبرة والمناطق الصخرية.

وأشار إلى أنه وللمرة الأولى في البحرين يتم العثور على مزرعة أو "حديقة دلمونية"، وجدت أسفل تلة تايلوس. وتتكون هذه الحديقة من أحواض مربعة تتصل ببعضها البعض بواسطة مجار ضيقة لنقل المياه ويبلغ عددها 335 حوضاً، وقد تم أخذ عينات من تربة الأحواض لمعرفة نوعية النباتات التي كانت تزرع في هذه الأحواض.

أما في التلة التي تضم مدفناً من فترة تايلوس، فتم العثور على 16 قبراً مبنية بالحجارة والجص فوق سطح الأرض بمستويات مختلفة، كما عثر على جرتي دفن صغيرتين استخدمت لدفن الأطفال.

وما يميز هذا التل عن غيره من التلال المشابهة له هو اكتشاف 5 هياكل عظمية تعود لفترة دلمون في وضعية القرفصاء أسفل مستوى قبور فترة تايلوس، حيث كان من المعتاد العثور على الهياكل العظمية لموتى دلمون في غرف دفن مبنية فوق سطح الأرض أو تحتها فيما يعرف بتلال المدافن، التي تنتشر في مناطق مختلفة من البحرين، أما وجود هذه الهياكل ملقية دون غرفة دفن أو تابوت، فيحتمل العديد من التفسيرات التي يعمل على دراستها الباحثون حالياً.

وضمن جهود فريق العمل للحفاظ على الهياكل العظمية بغرض دراستها وعرضها بشكل لائق قام الفريق بمعالجة وتقوية أحد هذه الهياكل العظمية ونقله سليماً إلى متحف البحرين الوطني.

أما جامع ومقبرة موقع التنقيب، فأشار الشيخ خليفة بن أحمد إلى احتمالية أنها تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، وقد عثر على بقايا قنوات مائية محفورة في الصخر مع بعض الجدران الحجرية، موضحاً أن هذا الجامع والمقبرة ربما يعودان إلى قرية قديمة مندثرة تعرف بــ " الرويس".

تنقيب مسجد المهزع.. كشف أصول أقدم مساجد المنامة

وأشار الشيخ خليفة بن أحمد إلى أن أعمال التنقيب بدأت بناء على توجيهات من رئيسة الهيئة، حيث تم العثور على جدارين لأساسات قديمة بحالة جيدة وأرضية جصية وبعض الكسر الفخارية مختلفة الأحجام، قطع زجاجية ومجموعة من عظام حيوان.

وتبين أن البناء الحالي للمسجد يقع على تلة مرتفعة تتكون من بقايا مواد بناء المسجد القديم الذي تم بناؤه في الأصل عام 1861. وعلى ضوء ما تم العثور عليه، تقرر وقف العمل بسبب خطورة تساقط أجزاء من المسجد نتيجة الحفر بالقرب من جدران وأساسات المبنى.

كشف أسرار تايلوس ودلمون في مقابة ووادي السيل

كشف الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، أن الفريق الياباني من معهد كاشيهارا للآثار بمقاطعة نارا نفذ نهاية العام الماضي موسم التنقيب الثالث في موقع تلال مقابلة العائدة إلى فترة تايلوس، حيث هدفت أعمال التنقيب إلى الكشف عن وجود التأثيرات التدمرية " تدمر - سوريا" في البحرين، حيث كانت المملكة واحدة من النقاط الرئيسية لطرق التجارة بين الهند وتدمر خلال فترة تايلوس.

وأثمرت أعمال التنقيب التي شملت 4 مدافن عن عدد من الاكتشافات، أولها مدفن سليم عثر فيه على آنية فخارية مزججة وبداخلها رماد. كما عثر بداخله على هيكل عظمي بشري برفقته أغراض دفن "أثاث جنائزي" شملت عملة برونزية مربعة الشكل بداخل فمه، بينما يحمل في يده اليسرى كيساً من الجلد بداخله 10 عملات برونزية، وهذه أول مرة يتم العثور على عملات معدنية في كيس بيد المدفون.

أما الاكتشاف الثاني فهو العثور في مدفن آخر على حوض ماء جصي بداخل القبر وذلك لتقديم الماء للميت، كما عثر أيضاً فوق الغطاء الحجري لهذا المدفن على طاسة" آنية" فخارية مزججة تعود للفترة من 50 ق.م إلى 50م.

أما ثالث الاكتشافات فهو الاستدلال على العادات الجنائزية الشائعة في فترة تايلوس من خلال العثور المتكرر على الأواني المزججة على الأغطية الحجرية في أكثر من مدفن.

وفي رابع الاكتشافات الخاصة بهذا الموقع، فتم العثور على 10 محارات لؤلؤ كأغراض جنائزية مع طفل ميت في مدفن في الموقع، حيث يشير ذلك إلى أن محار اللؤلؤ كان مادة جنائزية مهمة للأطفال في فترة تايلوس، وهو ما يساهم في فهم الممارسات الجنائزية للأطفال في تلك الفترة بشكل أفضل.

من جانب آخر، قال الشيخ خليفة بن أحمد إن الفريق الياباني للآثار برئاسة د.ماساشي أبيه نفّذ أعمال التنقيب الأثرية لعدد من تلال المدافن الدلمونية المبكرة بموقع وادي السيل، حيث قام الفريق باستكشاف 9 تلال دلمونية صغيرة من النوع المبكر. وعثر الفريق أثناء التنقيب على عدد من بقايا هياكل عظمية بشرية، بالإضافة إلى العثور على عدد من بقايا عظام حيوانات، والتي ما زالت تحت الدارسة.

ومن بين ما تم العثور عليه أيضاً جرار تعود لحضارة أم النار في شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين، حيث تدل هذه المكتشفات على العلاقات التجارية والثقافية ما بين دلمون وتلك الحضارات.

توثيق معابد باربار وتلال مدافن دلمون

وأشار الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، إلى أن فريقاً يابانياً من جامعة كانساي قام خلال شهر ديسمبر الماضي باستكمال أعمال توثيق موقع معابد باربار التي بدأها عام 2016.

وترأس الفريق البروفيسور ياسومورو يوشيهورو، حيث تأتي هذه المهمة العلمية بدعم مالي من مؤسسة أوكاوا للمعلومات والاتصالات.

وهدفت العملية إلى تقديم طرق مستدامة وشاملة لحفظ واستخدام المواقع الأثرية بالتطبيق على موقع معابد باربار، من خلال إجراء مسح وتوثيق للوضع الحالي لمكونات الموقع بملاحظات التغيرات الزمنية للموقع بعد التنقيبات السابقة، إضافة إلى إجراء مسح بيئي لمحيط الموقع، دراسة وتحليل الأحجار المستخدمة في بناء المعبد، فحص جودته وقوته وتوثيق مظاهر التدهور والتلف على الأحجار.

وفي النهاية توثيق مكونات الموقع باستخدام تقنيات ثلاثية الأبعاد عن طريق جهاز المسح بالليزر والتصوير بطائرة بدون طيار. ولمعرفة مدى التدهور الحاصل لمكونات وعناصر الموقع اعتمد الفريق بشكل أساسي على إنتاج صور ثلاثية الأبعاد لعناصر الموقع ومقارنتها بصور قديمة لهذه العناصر مأخوذة لها من قبل الفريق الدنماركي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

وأظهرت نتائج المقارنة بين هذه الصور إلى حدوث تغيرات كثيرة في عناصر الموقع من حيث طمر واختفاء بعض الأجزاء أو تحرك بعضها الأخر من مكانها الأصلي.

أما بالنسبة لمشروع توثيق ورسم خرائط تلال مدافن دلمون، قال الشيخ خليفة بن أحمد إنه يهدف إلى توفير مجموعة بيانات شاملة لتلال المدافن في فترة دلمون المبكرة.

فبينما تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 80 ألف تلة دفن في تلك الفترة، فإن أعمال التوسع العمراني الكبيرة والواسعة النطاق منذ الستينات والسبعينيات أدت إلى تدمير العديد منها.

ونوّه بأن هيئة البحرين للثقافة والآثار مع الفريق الياباني للآثار قامت بتنفيذ مشروع مدته 5 سنوات باسم "توثيق ورسم خرائط تلال مدافن دلمون".

وسيتم خلال مدة المشروع تنفيذ سلسلة مسوحات طبوغرافية شاملة في مدافن دلمون المبكرة باستخدام الطائرات بدون طيار "الدرون" وتقنية النمذجة ثلاثية الأبعاد لتوثيق تلال المدافن. وغطى الموسم الأول من هذا المشروع في يناير 2020 التلال الملكية في عالي وحقل تلال مدافن عالي الشرقي، حيث تم الحصول على العدد الدقيق لحقل تلال مدافن عالي الشرقي وهو 3890 تلاً.