طارق مصباح

والله ما عرف نعمة الوحدة إلاّ من ذاق لذّة الأُنس بالله! ذلك أن من غلب عليه حال الأنس لم تكن شهوته إلا فى الانفراد والخلوة، لأن الأنس بالله يلازمه التوحش من غيره، ويكون أثقل الأشياء على القلب كل ما يعوق عن الخلوة‏.‏

قال عبد الواحد بن زيد‏:‏ قلت لراهب‏:‏ لقد أعجبتك الخلوة، فقال‏:‏ لو ذقت حلاوة الخلوة لا ستوحشت إليها من نفسك، قلت‏:‏ متى يذوق العبد حلاوة الأنس بالله تعالى‏؟‏ قال‏:‏ إذا صفا الود، خلصت المعاملة‏.‏ قلت‏:‏ متى يصفو الود‏؟‏ قال‏:‏ إذا اجتمع الهم، فصار هماً واحداً في الطاعة‏.‏



قيل لمالك بنِ مِغْول وهو جالسٌ في بيته وحده: ألا تستوحشُ؟ فقال: ويستوحشُ مع الله أحدٌ؟ وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته، ويقولُ: من لم تَقَرَّ عينُه بكَ، فلا قرَّت عينُه، ومن لم يأنس بكَ، فلا أنِسَ.

واعلم‏:‏ أن الأنس إذا دام وغلب واستحكم، قد يثمر نوعاً من الانبساط والإدلال، وقد يكون ذلك منكراً فى الصورة، لما فيه من الجراءة وقلة الهيبة، وإن كان محتملاً ممن أقيم مقام الأنس‏.‏ وأما إذا صدر ممن لا يفهم ذلك المقام، أشرف به على صاحبه على الكفر، وذلك كما يروى عن أبى حفص أنه كان يمشى يوماً، فاستقبله رجل مدهوش ‏‏‏(‏أي‏:‏ متحير)‏ فقال‏:‏ مالك‏؟‏ قال‏:‏ ضل حماري، ولا أملك غيره، فوقف أبو حفص وقال‏:‏ وعزتك لا أخطو خطوة ما لم ترد عليه حماره، فظهر الحمار‏.‏