أيمن شكل

أراد طالب ثانوي أن يتهرب من الدراسة في معهد للغات خلافاً لرغبة أبيه، فقرر اختلاق واقعة وهمية بأن رجال شرطة قاموا باختطافه من أمام المعهد، ولكن الواقعة تحولت إلى جريمة تورط فيها الطالب وثلاثة من أصدقائه جلبوا زي شرطة وقاموا بعملية الاختطاف الوهمية، وأحيلوا إلى المحاكمة، حيث قضت محكمة أول درجة بحبسهم 6 أشهر، لكن محكمة الاستئناف كان لها رأي مخالف، وبرأتهم من تهمة انتحال صفة شرطة وسرقة الزي العسكري، وقالت: إن انتحال وظيفة دون القيام بعمل من أعمالها لا يعد تداخلاً فيها، إلا إذا اقترن بعمل يعد افتئاتاً عليها، أما في سرقة الزي العسكري، فأشارت إلى أنها ليست سرقة؛ لأن المتهم أعاد الزي بعد استخدامه.

الواقعة الغريبة والحكم الأغرب تتحصل وقائعه فيما ذكره وكيل المتهم المخطوف المحامي مانع البوفلاسة، حيث أرغم والد الطالب المتهم ابنه على الذهاب إلى معهد لدراسة اللغة الإنجليزية، ففكر الطالب في طريقة لكي يقنع والده بخطورة الدراسة في المعهد، واتفق مع أصدقائه الثلاثة على تمثيل واقعة خطفه من أمام المعهد بعد انتهاء الدراسة، وقام أحدهم بسرقة زي عسكري يعود إلى عمه الذي يعمل شرطياً، وتوجه الأصدقاء إلى المعهد وانتظروا خروج صديقهم، ثم قام المتهم الثاني الذي ارتدى الزي العسكري بوضع قناع على وجهه، وبمعاونة باقي المتهمين، أدخلوا صديقهم سيارة وغادروا المكان بعد أن تأكدوا من مشاهدة الناس للواقعة.



وتوجه الأصدقاء الأربعة إلى منزل المتهم الثاني، ومكثوا فيه مدة ساعة، وبعدها اتصل شقيق المتهم الأول بالثالث ليسأل عن أخيه، فأبلغه أن الشرطة قامت بالقبض عليه من أمام المعهد، ثم توجه المتهمان الثاني والرابع إلى منزل صديقهما وأبلغا والديه بأنهما استطاعا إخلاء سبيل صديقهما عن طريق "شخص مهم".

لكن الواقعة لم تمر دون علم الشرطة التي تواصلت مع الطالب وسألته عن واقعة الاختطاف، وفي البداية أخبرهم أن ثلاثة ملثمين يرتدون زي الشرطة قاموا باختطافه، وبعد أسبوع تم استدعاؤه في التحقيقات، وهناك لم يتمكن من حبك قصته الوهمية ليعترف في النهاية بما حدث.

وأحالت النيابة العامة المتهمين الأربعة إلى المحاكمة بعد أن أسندت إلى الأول أنه أبلغ الشرطة عن جريمة يعلم أنها لم ترتكب، وهي واقعة اختطافه من قبل أشخاص آخرين خلافاً للواقع، كما اشترك مع المتهمين الثاني والثالث بطريق التحريض والاتفاق على إجراء عمل من أعمال وظيفة عامة دون أن يكونوا مختصين بها، لتحقيق غرض غير مشروع.

وأسندت النيابة إلى المتهم الثاني أنه أجرى عملاً من أعمال وظيفة عامة –شرطي بوزارة الداخلية– دون أن يكون مختصاً أو مكلفاً بها لتحقيق غرض غير مشروع، وارتدى زياً رسمياً يخص به القانون فئة من الناس بغير وجه حق، كما سرق المال المنقول المملوك لوزارة الداخلية.

ووجهت إلى المتهمين الثالث والرابع تهمة الاشتراك مع الأول والثاني في جريمة الاختطاف وإجراء عمل من أعمال وظيفة عامة.

وحكمت محكمة أول درجة بحبس المتهمين الأربعة مدة 6 أشهر عما أسند إليهم وأعملت العذر المخفف وهو حداثة سنهم.

وطعن وكيل الطالب المحامي مانع البوفلاسة على الحكم بالاستئناف، ودفع بانعدام الركن المادي لجريمة البلاغ الكاذب، كون المستأنف لم يبلغ الشرطة بواقعة اختطافه الوهمية، لكن ما حدث هو قيام باقي المتهمين بإبلاغ والديه بواقعة الاختطاف، وأنهم تمكنوا من إخلاء سبيله، ولم تخل هذه الواقعة بالسير السليم للسلطات القضائية أو الإدارية في مباشرة الأعمال المنوطة بها، ولا يحدث ذلك إلا في حالة تقديم البلاغ الكاذب للجهة الرسمية، والتي قامت بالتحري عن الواقعة من تلقاء نفسها مما تُداول من أخبار اختفاء المتهم الأول، وهذا من صميم عملها الداخل في مجال حفظ الأمن والسلم العام.

وقالت المحكمة: إن انتحال وظيفة دون القيام بعمل من أعمالها لا يعد تداخلاً فيها، إلا إذا اقترن بعمل يعد افتئاتاً عليها، ويتحقق ذلك بالاحتيال والمظاهر الخارجية التي يكون من شأنها تدعيم الاعتقاد في صفة الجاني وكونه صاحب الوظيفة التي انتحلها، لافتة إلى أن حكم أول درجة لم يبين الغرض غير المشروع المراد تحقيقه من المستأنفين، ومن أجله ارتكبوا الجريمة.

وبالنسبة إلى تهمة سرقة الزي العسكري المسندة إلى المتهم الثاني قالت المحكمة: إن المستأنف قام بأخذ السترة وارتدائها إبان قيامه بتمثيل واقعة القبض على صديقه، ثم أعادها إلى مكانها مرة أخرى، ما تنتفي معه نية التملك والركن المادي لقيام جريمة الاختلاس.

وبرأت المحكمة جميع المتهمين مما أسند إليهم، إلا أنها غرمت المتهم الثاني مبلغ 50 ديناراً عن تهمة ارتداء زي رسمي، وهو ما ثبت باعترافه في التحقيقات وأمام محكمة أول درجة.