عُلم أن "خلية أزمة" قد تم تأسيسها صباح الجمعة، داخل منظمة التجارة العالمية في جنيف، في ضوء الضربة الجديدة التي سددها الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمنظمة، بتهديده الانسحاب من هذا الكيان التجاري العالمي، الذي يتحكم في نحو 98% من التجارة العالمية، بحسب ما ورد في صحيفة "الاقتصادية".

وهدد ترمب، في مقابلة صحافية مع وكالة بلومبيرغ الإخبارية الخميس الماضي، بالانسحاب من منظمة التجارة إذا لم تُسمع نداءاته بأن تطوِّر المنظمة من نفسها، وتعيد هيكلة مؤسساتها.

وقال الرئيس الأميركي بكلمات صريحة "إذا لم يطوِّروا أنفسهم فسأنسحب من منظمة التجارة العالمية "، واصفاً اتفاقية تأسيس المنظمة بأنها "أسوأ اتفاق تجاري على الإطلاق".

ومنذُ حملته الانتخابية في خريف 2016 حتى الأشهر القليلة الماضية، لم يتوقف الرئيس الأميركي عن انتقاد منظمة التجارة، لكن هجومه الأخير كان أكثر وضوحاً ومباشرة.

وقال ترمب الذي سبق أن انتقد نظام تسوية النزاعات التجارية في المنظمة، بوصفه غير موات للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن واشنطن"نادراً ما ربحت دعوى، رغم أن الأمور بدأت تتغيَّر العام الماضي، حيث بدأنا نربح كثيراً: أتعرفون السبب؟ لأنهم على يقين بأنه إذا لم نربح، فسننسحب منها".

في هذه الأثناء، استدعى روبرتو أزفيدو، المدير العام لمنظمة التجارة "حرسه" القريب، لاجتماع عاجل لبحث هذه الوصلة الجديدة من التهديد الأميركي للمنظمة.

وعلمت "الاقتصادية" من مصدر دبلوماسي مطلع أنَّ المداولات الطويلة التي جرت داخل المنظمة في الصباح التالي لتهديد ترمب توقفت بعد إقرار المجتمعين استراتيجية استندت إلى محورين، الأول "تهدئة الموقف" الناجم عن التهديد الأميركي، والثاني "تجنُّب الإساءة".

غير أن الاجتماع أسفر أيضاً، بين أمور أخرى، عن تشكيل "خلية أزمة"، ستبقى في العمل حتى إشعار آخر، حسب المعلومات التي تلقتها "الاقتصادية".

وتماشياً مع استراتيجية "تهدئة الموقف"، أوضح المصدر الدبلوماسي أنه "لا يوجد جديد في تهديد الرئيس الأميركي.. الولايات المتحدة ودول أخرى دعت إلى تحسين أداء المنظمة، وهذا أمر طبيعي، من الطبيعي أن تتكيَّف أي مؤسسة مع متطلبات واحتياجات اليوم".

وأضاف أن "الأمور ستتعقّد عندما تكون هناك مشكلة بالنسبة إلى عضو واحد، لكنها ليست بالضرورة مشكلة للعضو الآخر، هذه الحالة غير متوافرة في منظمة التجارة، لأن هناك إقراراً عاماً منذ سنوات على تطوير عمل المنظمة، وهذا ما سيساعدنا على تنفيذ المهمة".

ورداً على سؤال، أوضح المصدر الدبلوماسي أن منظمة التجارة تشعر بقلق جراء التصعيد في حرب الرسوم الجمركية ، وأنه من المستحيل القول في أي مرحلة إنه يُمكن أن تتحول التوترات التجارية إلى حرب مفتوحة، لكن من الواضح جداً أن عدد التدابير التقييدية لحرية التجارة يزداد بسرعة، وهي الحال أيضاً بالنسبة إلى عدد البضائع التي ضربتها هذه التدابير، وأن عدد البلدان المعنية بهذه التدابير مباشرةً يزداد هو الآخر.

وأضاف المصدر "نأمل أن تتحقق بسرعة تلك الإصلاحات التي ما زالت حتى الآن في طور النقاشات فحسب، وأن تؤدي إلى استرضاء كافة الأطراف".

ورغم ذلك يؤكد المصدر الدبلوماسي أن التوترات التجارية لن تختفي بين ليلة وضحاها، خاصة أن التدابير الحمائية تتصل في بعض الأحيان بقضايا السياسات المحلية، وفي كل الأحوال، فإن الاقتصاد العالمي ما زال يعاني بالفعل عواقب التدابير الحمائية.

وعلم أن مؤتمراً دولياً كبيراً سيتم عقده في باريس ربَّما يُكرَّس لإجراء "إصلاحات واسعة" في أنظمة وأحكام منظمة التجارة العالمية.

غير أن فكرة المؤتمر والتحضير له سبقت بأشهر عديدة تهديدات ترمب الأخيرة بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية.

وطبقاً لمصادر مطلعة في المنظمة، فإن المؤتمر قد دعا إليه في وقت سابق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، والفكرة هي ضمان تكييف النظام التجاري متعدد الأطراف لمواجهة التحديات العالمية ومخاطر قيام حروب تجارية.

وأفادت المصادر بأن دعوة الرئيس الفرنسي لقيت ترحيباً من روبرتو أزفيدو المدير العام للمنظمة، وأن خطوات قد قُطِعت فعلاً في اتجاه المؤتمر، عبر دعوة كافة الدول الأعضاء في المنظمة إلى "تحمل مسؤولياتها" في إصلاح هذا الكيان التجاري العالمي.

وأكدت المصادر أن الدعوة لعقد هذا المؤتمر الدولي الكبير جاءت قبل عدة أشهر ولا علاقة لها بتهديد الرئيس الأميركي الخميس الماضي بالانسحاب من المنظمة "إذا لم تطور نفسها".

وعلم أنَّ الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان تلعب الأدوار الرئيسة في النقاش حول إعداد جدول أعمال المؤتمر المقبل لإصلاح المنظمة، وحتى إن الصين أظهرت بعض الاهتمام في النقاش، وأن كافة الأطراف لديها مواقف عملية وداعمة لتأسيس نظام تجاري فعال متعدد الأطراف.