«في يوم من الأيام سنموت وندخل القبر، فماذا أعددنا لمثل هذا اليوم.. والله إن الكفن ما فيه جيوب، وإن القبر مظلم، وضيق، ورطب، ومليء بالحشرات، فماذا أنا أعددت حتى أدخل الجنة، وماذا أنا فعلت حتى أهرب من النار»؟

بهذا الكلمات تساءل الدكتور «عبد الرحمن السميط»، الداعية الكويتي عن القبر، وماذا أعدَّ لدخول الجنة، رغم أنه لعب دورًا كبيرًا في إقناع 11 مليون شخص باعتناق الإسلام داخل إفريقيا، وساهم ببناء أكثر من 5 آلاف و700 مسجد وحفر أكثر من 9 آلاف و500 بئر، وشارك في رعاية قرابة 15 ألف يتيم.

مضى نحو 3 أيام على الذكرى الثامنة لوفاته، في 15 أغسطس عام 2013، بعد أن قضى أكثر من 29 سنة في نشر الإسلام بداخل القارة السمراء، ليرحل تاركًا بصماته الخيرة بكل مكان خطت إليه قدماه.



ترك «السميط»، الدنيا وخلفه كنوز من الحسنات بعد مسيرة عطاء كبيرة ضحى خلالها بوقته وحياته ابتغاءً لوجه الله -عز وجل-وخدمة الإسلام، زارعًا أمل الحياة في قلوب الفقراء، دون النظر إلى شهرة أو مال، فكان وسيظل وجهًا مشرقًا للمسلمين.

النشأة والتعلم

ولد الدكتور السميط في دولة الكويت عام 1947، وتعلم في مدارسها حتى المرحلة الثانوية، ثم انتقل إلي جامعة بغداد للحصول علي بكالوريوس الطب والجراحة.

استكمل دراساته العليا في جامعة ليفربول في المملكة المتحدة، ليحصل علي دبلوم أمراض المناطق الحارة ، وسافر إلي كندا ليتخصص في مجال الجهاز الهضمي والأمراض الباطنية.

تخصص في جامعة «ماكحل»، في الأمراض الباطنية ثم أمراض الجهاز الهضمي وعمل طبيبًا في مستشفى «مونتريال» العام، ثم طبيبًا متخصصًا في مستشفى «كلية الملكة» بلندن.

نشر الداعية الكويتي، العديد من الأبحاث العلمية والطبية في مجال القولون والفحص بالمنظار لأورام السرطان، كما أصدر عشرات الكتب أبرزهما «لبيك أفريقيا، دمعة على إفريقيا، رسالة إلى ولدي، العرب والمسلمون في مدغشقر»، ولديه مئات المقالات في صحف عديدة ومتنوعة، بالإضافة إلى العديد من البحوث وأوراق العمل ومئات المقالات التي نشرت في صحف متنوعة.

كما تولى السميط منصب رئيس مجلس البحوث والدراسات الإسلامية، ورئيس جميعة «مسلمي إفريقيا» التي تغير اسمها لاحقًا إلي جمعية «العون المباشر».

فارس العمل الخيري

«كيف ألقي عصا الترحال وهناك الملايين ممن يحتاجون للهداية، وأنا بحاجة إليهم يوم القيامة ليشهدوا لي، لعلي أدخل الجنة بدعاء واحد منهم»

هكذا تساءل «السميط» عن حرصه الشديد على هداية الملايين إلى دين الإسلام، ليس هذا فقط، بل ُعرف بوقوفه بجوار أصحاب الحاجة، فكان يرى أن زكاه أموال أثرياء العرب تكفي لسد حاجة 250 مليون مسلم حتى لُقب بـ«فارس العمل الخيري».

رغم أنه تخصص في الطب، إلا أنه فضل التجارة مع الله -عز وجل- من أجل المشاريع الإنسانية والخيرية كمواجهه غول الفقر وخطر التنصير، والمشاركة في الأعمال الإغاثية ومساندة المحتاجين والوقوف بجانبهم، والمسح علي رؤوس الأيتام.

بعد رحيله عام 2013، لُقب بـ«رجل الأمة». فمنذ أن ولد في الكويت، وكان يُطلق عليه من قبل أهل الحي لقب «المِطَوَعّ»، كما كان حريصًا على تأدية الصلوات في أوقاتها، خاصة الفجر منذ أن كان عمرة 6 سنوات.

شغلته قضية التحري والتأكد من تناول الأطعمة «الحلال» في الخارج، فقد أمضى 5 سنوات داخل كندا و3 سنوات في بريطانيا، ولم المأكولات في المطاعم خشية الحرام، حتى «الجبن»، كان لا يتناوله خاصة بعد أن اكتشف أنهم يستخدمون في صناعته مادة «الرنيت»، أحيانًا، ومصدرها الخنزير أو أبقار لم تذبح حسب الشريعة الإسلامية.

صراع المرض

حمل «السميط» على عاتقه نشر الإسلام والغوث لإفريقيا، ولم تمنعه مخاطر السفر داخل أدغال القارة السمراء، ولم يعاني من أهوال التنقل وسط الغابات المحفوفة بالمخاطر، رغم محاصرته من أفعى «الكوبرا» في موزمبيق وكينيا وملاويغير لكنه نجا من كل ذلك.

وفي إفريقيا؛ تعرض لمحاولات قتل مرات عديدة من قبل المليشيات المسلحة بسبب حضوره الطاغي في أوساط الفقراء والمحتاجين، بالإضافة إلى معاناة العيش داخل القرى من لسعات البعوض وإنعدام الخدمات كشح الماء وانقطاع الكهرباء.

بعد أن وضعت الحرب أوزارها في العراق، خصصت جمعية «العون المباشر»، مليوني دولار لدعم الطلاب العراقيين الفقراء وإغاثة الأسر المتعففة، وخلال قيامه بهذه المهمة الخيرية من أجل إعانة الشعب العراقي، وفي تلك الأثناء، تعرض إلى حادث مروري غرب بغداد، بعد أن اصطدمت السيارة التي كانت تقله ومرافقيه بشاحنة، ما أسفر عن إصابته بكسور وجروح متفرقة عولج على إثرها بأحد مستشفيات غرب بغداد، ثم نقل إلى مستشفى في الكويت لاستكمال العلاج.

ورغم إصابته بمرض السكري ومعاناته الشديدة لآلام قدمه وظهره بسبب الحادث، استمر في عمل الدعوة إلى أن أصيب بثلاث «جلطات»، في القلب مرتين وآخرى بالمخ ثم توقفت وظائف الكلى ودخل العناية المركزة حتى رحل يوم الخميس 15 أغسطس عام 2013، وظلت أعماله الدعوية والخيرية باقية حتى اليوم.