دعت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، الروس المعارضين لغزو أوكرانيا، إلى الاتصال بها من خلال الشبكة المظلمة "Darknet".

وبدأت "سي آي إيه" الاثنين، حملة جديدة للترويج لوجودها على هذا الجزء من الإنترنت، الذي يمكن الوصول إليه فقط من خلال أدوات متخصّصة تتيح مزيداً من الخصوصية.

ولدى الوكالة موقع على Darknet، يتمتع بالميزات ذاتها لموقعها الإلكتروني العادي، ولكن يمكن الوصول إليه فقط من خلال متصفّح "تور" (Tor)، الذي يتضمّن ميزات تشفير ليست متوافرة في أغلبية المتصفّحات العادية، كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".



وDarknet هي شبكة خاصة يتم الاتصال فيها فقط بين النظراء الموثوقين، ويتم تسميتهم أحياناً "أصدقاء"، عبر ميثاق اتصالات ومنافذ غير قياسية.

وتختلف الشبكات المظلمة عن الشبكات العليا الند للند (الإنترنت)، بأنها مشاركة مجهولة، أي أن عنوان بروتوكول الإنترنت (بروكسي) لا تتم مشاركته بشكل عام، بل يتم الاتصال عبر سلسلة اتصالات مجهولة المصدر.

وظهرت الاثنين عبر حسابات الوكالة على مواقع التواصل الاجتماعي، تعليمات باللغتين الإنجليزية والروسية بشأن كيفية الولوج إلى موقعها على الشبكة المظلمة. وتأمل الوكالة بأن يتمكّن الروس المقيمون في الخارج، من مشاركة هذه التعليمات مع أفراد داخل البلاد.

ويبدو أن كثيرين من الروس يدعمون غزو أوكرانيا، لكن متابعين لشؤون روسيا يعتقدون بأن إدارة الرئيس فلاديمير بوتين للحرب، قد تُبعد أشخاصاً نافذين يختلفون معه في هذا الصدد.

وحتى مع القدرات الهائلة التي تتيحها عمليات التنصت على الاتصالات، والأقمار الصناعية، لا يزال ضرورياً بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات الغربية، تجنيد مصادر بشرية يمكنها تقديم نظرة ثاقبة للكرملين والوضع داخل روسيا، بحسب "أسوشيتد برس".

وكتبت "سي آي إيه" في بيانها أن "مهمتنا العالمية تتطلّب أن يتمكّن الأفراد من الاتصال بنا بشكل آمن من أيّ مكان".

متصفّح "تور"

ونقلت "أسوشيتد برس" عن مسؤول في "سي آي إيه"، قوله إن "الوكالة تدرك أن ثمة روساً قلقين، يحاولون بشدة التواصل معها"، رافضاً الإفصاح عن عدد الأشخاص الذين حاولوا التواصل مع الوكالة منذ بدء الحرب.

وأضاف: "ليس آمناً التعامل مباشرة مع الأميركيين، شخصياً أو افتراضياً (في روسيا). بالنسبة إلى الذين يريدون التعامل معناً بشكل آمن، هذه هي الطريقة لفعل ذلك".

أطلقت "سي آي إيه" موقعها على "الويب المظلم"، في عام 2019، ويمكن الولوج إليه من خلال متصفّح "تور"، وهو اختصار لعبارة The Onion Router، ويوجّه المتصفح حركة المرور على الإنترنت من خلال أطراف ثالثة كثيرة، لإخفاء هوية المستخدم ووجهته. وبعد تنزيل متصفّح "تور"، يُدخل المستخدم عادة سلسلة طويلة من الأحرف، ثم (onion.).

ويؤدي استخدام "تور" إلى إزالة ملفات تعريف الارتباط ووسائل أخرى كثيرة لتتبّع مستخدم الإنترنت. وليس هناك شكل آمن تماماً للاتصال بالشبكة العنكبوتية في كل الأوقات، لكن ضباط استخبارات يعتبرون أن المستخدم سيكون محمياً بشكل أفضل على الشبكة المظلمة، من تجسّس روسي محتمل، بحسب "أسوشيتد برس".

وأشارت وكالة الأنباء إلى أن إنشاء المتصفح "تور" جاء بدعم من مختبر الأبحاث البحرية الأميركية، وتديره منظمة غير ربحية منذ عام 2006. واستُخدم هذا المتصفّح غالباً من الذين يسعون إلى مزيد من الخصوصية، مثل منشقين في دول استبدادية، وأشخاص يسعون للتحايل على قيود ورقابة على الإنترنت، وشرطيين وعناصر استخبارات، وصحافيين، بما في ذلك "أسوشيتد برس"، إضافة إلى مجرمين.

"سيلوفيكي" وبوتين

لطالما كان على الروس إيجاد أدوات لتجاوز قيود حكومية على الإنترنت. وبعد حملة شنّها الكرملين منذ بدء الحرب على أوكرانيا، في 24 فبراير الماضي، شجّعت وسائل إعلام، و"تويتر"، على استخدام مواقع من خلال متصفّح "تور"، أو برامج الشبكات الخاصة الافتراضية.

وقال مارك كيلتون، الذي تقاعد في عام 2015 بعدما كان رئيساً لوحدة الاستخبارات المضادة في "سي آي إيه": "عندما يقرر أفراد التواصل، فإنهم يدركون جيداً ما يفعلونه وماهية أخطاره. المسألة هنا تكمن في طمأنتهم بأن هناك أشخاصاً على الطرف الآخر، معنيّون بحمايتهم".

وكتب الصحافيان الروسيان البارزان، أندريه سولداتوف وإيرينا بوروجان، أن إخفاقات الحرب في أوكرانيا أثارت "لعبة شرسة في تبادل الاتهامات" داخل المؤسّسة الأمنية الروسية، المعروفة باسم "سيلوفيكي".

وأضافا أن الجيش الروسي يحمّل بوتين مسؤولية المطالبة بإعداد "استراتيجية جديدة ومحدودة"، يُعتقد بأنها كبّلت الجيش في مواجهة القوات الأوكرانية.

وبعدما رفض بعض أعضاء "سيلوفيكي" تلقي مكالمات هاتفية من صحافيين، لدى اندلاع الحرب، بدأوا يتحدثون إليهم أكثر الآن. وكتب الصحافيان الروسيان: "إنها المرة الأولى التي ينأى فيها السيلوفيكي عن الرئيس. ويتيح ذلك كل أنواع الاحتمالات".

واعتبر كيلتون أن الأيديولوجيا الشخصية أو الخيبة من نظام بوتين، قد يدفعان شخصاً للتجسّس على روسيا، أكثر من أيّ مكافآت مالية قد يحصل عليها. وقال: "أوقات الأزمات هي دائماً مناسبة للتجسّس. الأفراد في المجتمعات الاستبدادية يكونون غالباً قانعين بالمضيّ (في إطار الوضع القائم)، إلى أن يواجهوا ضرورة أخلاقية وسياسية لاتخاذ قرار. شكّل ذلك تاريخياً، فرصة مواتية بالنسبة إلى أشخاص، للتواصل مع الولايات المتحدة".