نيويورك تايمز + قناة الحرة الأمريكية


شقت الشابة العراقية السمراء رندا عبد العزيز طريقها للعمل مذيعة للأخبار في التلفزيون العراقي الحكومي، للمرة الأولى منذ عقود.

وفي تقرير مطول نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الجمعة، روت رندا البالغة من العمر 25 عاما قصة وصولها للتلفزيون الحكومي.

تقول الصحيفة إن الصدفة وحدها هي من قادت رندا لهذا المكان، عندما كانت تجلس مع صديقاتها في مقهى ببغداد وتقرأ كتيبا عن مستحضرات التجميل بصوت عال وباللغة الفصحى لمجرد المزاح.


في تلك الأثناء سمعها كشاف مواهب، وسرعان ما تلقت عبد العزيز عرضا غير متوقع تماما غير حياتها، على الرغم من أنها كانت مترددة، إلا أن الرجل اقنعها باغتنام الفرصة لقراءة الأخبار على التلفزيون الرسمي.

وقالت رندا: "أخبرني أن هناك تجربة.. إنهم يريدون رؤية كل الألوان على قناة العراقية"، في إشارة إلى التلفزيون الحكومي.

وأضافت أنها كانت بحاجة إلى إقناع والدتها بالموافقة في البداية، ثم قبلت العرض، معتقدة أنها قد تستمر لفترة وجيزة وتفشل.

وتابعت رندا، التي لم يكن لديها خبرة تلفزيونية سابقة أو اهتمام بالأخبار: "اعتقدت أن الأمر سيكون لبضعة أيام فقط وسوف يرون أنه لن ينجح وسأغادر".

لكن رحلة رندا الشاقة في إثبات نفسها استمرت أكثر من ستة أشهر، تضمنت 10 ساعات يوميا من التدريب على الإلقاء والاطلاع على مواضيع السياسة العراقية والإقليمية، وهي مواضيع لم تكن مهتمة بها في السابق.

نجحت أخيرا في الظهور لأول مرة على شاشة التلفزيون خلال نشرة الظهيرة الرئيسية في سبتمبر الماضي وكانت هذه أول نشرة حية تلقيها للمشاهدين.

تقول رندا عن تلك اللحظة: "لم أرتكب خطأ واحدا ولكن عندما انتهيت من النشرة انفجرت في البكاء".

وفقا للصحيفة فإن رندا عبد العزيز هي أول سيدة "سمراء" تعمل في القنوات الحكومية على الأقل منذ الإطاحة بنظام صدام حسين قبل عقدين من الزمن.

وتنقل الصحيفة عن مسؤولين تنفيذيين في التلفزيون الحكومي القول إنهم يعتقدون أيضا أنه لم يكن هناك مذيعون تلفزيونيون من أصحاب البشرة السمراء خلال حكم صدام الذي دام عقودا.

جاء تعيين رندا بعد بحث على مستوى البلاد أجراه رئيس شبكة الإعلام العراقي نبيل جاسم، الذي يؤكد أن "في العراق ما لا يقل عن 1.5 مليون عراقي أفريقي.. وهم بحاجة إلى أن يروا انعكاس أنفسهم على التلفزيون."

وأضاف جاسم أن توظيفها صدم وأزعج عددا قليلا من موظفي الشبكة والمشاهدين، وهو رد سلبي يسلط الضوء على العنصرية الراسخة في العراق، البلد الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 40 مليون نسمة.

في النظام السياسي العراقي الذي تهيمن عليه القبائل في البلاد، لا يتمتع العراقيون أصحاب البشرة السمراء بشكل أساسي بأي تمثيل سياسي.

لا يوجد في البرلمان العراقي نائب واحد من أصحاب البشرة السمراء، ولا يوجد تقريبا أي من كبار المسؤولين السود في الوزارات الحكومية.

معظم أفراد البشرة السمراء في العراق يتحدرون من أصول أشخاص مستعبدين جلبوا من شرق أفريقيا إلى الساحل الجنوبي للعراق بداية من القرن التاسع، عبر تجارة الرقيق التي استمرت أكثر من ألف عام وانتهت في بعض الدول العربية قبل عقود فقط.

لا يزال معظم الأشخاص من أصول أفريقية يعيشون في جنوب البلاد في فقر مدقع وقلة في فرص التعليم.

عندما يظهر العراقيون أصحاب البشرة السمراء على شاشات التلفزيون، عادة ما يكونون موسيقيين أو راقصين أو في أدوار كوميدية.

يقول جاسم إنه يريد تغيير تلك الصور النمطية عنهم، وهو يدرس أيضا منح رندا الفرصة لتقديم برنامج تلفزيوني يهتم بالشؤون السياسية.

في حين انتشرت حركة "حياة السود مهمة" في معظم أنحاء العالم، إلا أن العراق ليس لديه سوى حركة ناشئة للمطالبة بحقوق السود.

لا يوجد إجماع بين العراقيين من أصول أفريقية على التسمية التي يطلقونها على أنفسهم، البعض يرفض مصطلح "أسود" أو "أفريقي عراقي" لأنهم يرونه مثيرا للانقسام. استقر الكثيرون على مصطلح "أسمر" أو "ذو بشرة داكنة".

يقول المدافعون عن حقوق أصحاب البشرة السمراء إن العديد من الطلاب السود يتركون المدرسة بسبب تنمر الطلاب والمعلمين.

أفاد مسح أجري في عام 2011 أن معدلات الأمية بين العراقيين أصحاب البشرة السمراء بلغت 80 في المئة، وهو رقم يزيد عن ضعف المعدل الوطني، ويعتقد أنه لم يتغير إلى حد كبير منذ ذلك الحين.

بعد أن أتقنت التلفزيون، تقول رندا إنها تعمل على فكرة أن تكون قدوة يمكن أن تلهم العراقيين ذوي البشرة السوداء.

وتضيف: "أحاول إثبات أن نموذجي يمكن أن يكون أملا للجميع، وأن لون بشرتنا لن يمنعنا."