هناك هدنة إنسانية في اليمن لشهرين، وفي الفترة نفسها عاد السفراء الكويتي والسعودي واليمني لبيروت، وما لفت نظر المراقب هو التعامل الخليجي مع الأزمتين اليمنية واللبنانية بواقعية، فالواقعيّة السياسيّة «realism» هي وجهة نظر تؤكد على جانبي التنافس والصراع في العلاقات الدولية. لكن في الواقعيّة لا يرفضون إمكانيّة الحكم الأخلاقي كالمفاهيم الأخلاقية النظرية المثالية «idealism» وإن كانت، تستند بشكل أساسي إلى الاعتبارات العملية والمادية. ودوافع التحول الخليجي إلى الواقعية السياسية كثيرة كالتطورات الإقليمية، فغير مقبول غياب الخليج عن أية ساحة، فهناك تغيرات في معادلة الحكم في العراق، والنظرة العربية لسوريا، بالإضافة إلى الاتفاق النووي الإيراني وحرب أوكرانيا.

من مظاهر الواقعية السياسية الخليجية في الأزمة اليمنية تقبل فكرة هدنة الشهرين، ومشاورات الرياض. وتقبل فكرة نقل الرئيس منصور هادي صلاحياته لمجلس رئاسي من 7 أعضاء يتولى إدارة شؤون الدولة في المرحلة الانتقالية بما في ذلك التفاوض مع الحوثيين على حل نهائي لأزمة اليمن. وتقبل فكرة انتخابات جديدة وشاملة في اليمن تشمل الحوثيين وبإشراف الأمم المتحدة.

أما أسباب تحول الخليجيين إلى الواقعية السياسية والعودة للبنان، فتعود إلى حدة الاصطفافات الإقليمية في الحرب الروسية الأوكرانية، مما يتطلب موقفاً خليجياً يتناسب مع المتغيرات، ومثلها الانحياز الغربي في ملف النووي الإيراني، وربما السير بمحاذاة المساعي الفرنسية التي تقر أنه لا يمكن ترك لبنان لحزب الله. كما أن من أسباب تحول الخليجيين للواقعية والعودة للبنان تجاوب بيروت مع المبادرة الكويتية ووقف كافة الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمس دول الخليج، بل وإزاحة وزيرين لترضية الخليجيين، وربما التمهيد عن طريق بيروت لعودة سوريا للعالم العربي لارتباط أمن لبنان بدمشق، بالإضافة إلى ضرورة التواجد الخليجي قرب صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية ثم الانتخابات الرئاسية، والأهم مد يد المساعدة للفئات اللبنانية التي تعيش قرب الرصيف جراء بوادر انهيار الاقتصاد اللبناني، فالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي تتطلب أن يحول الخليج بين لبنان والهاوية.

بالعجمي الفصيح

كان من الأفضل لو استخدم الخليجيون إحدى مدارس الواقعية السياسية وهي الميكافيلية التي تعطي المصلحة الوطنيّة الأولية، وأن كل شيء يُبرر بمنطق مصلحة الدولة.