بيّنت نتائج الدراسات الميدانية التي ذكرناها في المقالة السابقة في الجانب المتعلق بطبيعة وسائل الإعلام وأدوات الاتصال المستخدمة في الحملات الانتخابية اعتماد المترشحين لمجلس النواب بصورة كبيرة على وسائل الاتصال الشخصي بأشكاله المختلفة في حملاتهم الانتخابية، وبالأخص حرصهم على مباشرة الزيارات الشخصية للمجالس الأهلية وبالخصوص في الدائرة الانتخابية، إلى جانب الأماكن العامة للتواصل مع جمهور الناخبين؛ وذلك لِما يكتسبه هذا النشاط من أهمية في الحملات الانتخابية، ولِما له من تأثير إيجابي لصالح المترشحين، سواءٌ في ما يتعلق بالتعرّف عن قُرْب على ملاحظات الناخبين تجاه النائب ومن ثَمَّ تَدَارُكها، والردّ على ما يُثار من شبهات وشائعات عبر إجاباتٍ شافيةٍ وتَحاوُرٍ ونقاشٍ يتمّ من خلاله تصحيح المفاهيم والمعلومات الخاطئة. ثم إنه من خلالها يتم التعرّف على ميول الناخبين، ومن ثم كيفية التعامل معها وتوجيهها لصالح المترشح. وهو ما لا يمكن أنْ يتمّ إلا من خلال هذا اللون من الاتصال. ولا يختلف الوضع في البحرين عن المجتمعات الأخرى في أهمية الاتصال الشخصي في الحملات الانتخابية. وفي هذا الصدد ذكر غير قليل من الباحثين مثل (وولف، 1977؛ وكايد، 2004؛ وبارتر، 1988؛ وآخرون) أهمية التواصل الشخصي ليس بين المرشح والناخب فقط، ولكن حسب حاجات الفرد للتواصل.

ولقد استغلت كلُّ القوى السياسية وسيلة الاتصال الشخصي وبشكل جيد، وكانت بالفعل من الأسباب المرجِّحة لكثير من المترشحين في أغلب الانتخابات، وهذا بجانب أسباب أخرى بالطبع. وقد حقّق الاتصال الشخصي الاستفادة من علاقات القرابة والصداقة، وتشكيل صورة ذهنية إيجابية للمترشِّح، وتأكيد المعاني التي يحققها الاتصال الجماهيري وتعميق أثرها وتحقيق الاتصال ذي الاتجاهين مع الناخبين، واكتشاف المترشِّح لمؤيديه وتكليفهم بمهام اتصالية، إذ إنّ المترشح من خلال حديثه وحواره مع ناخبيه يستطيع أنْ يكتشف بعض الأفراد المقتنعين به والمؤيِّدين له فعلياً، ثم يعمد ليختار من بينهم أكثرهم قدرة وفهما واستعداداً وتمَكُّناً للقيام بمهام اتصالية، ويكلِّفهم بالتحدث مع أفراد أو جماعات معينة في الاتجاه الذي يخدم أهدافه، وقد تحقَّق ذلك للعديد من المترشحين الذين نجحوا في عملية الاتصال المباشر في دوائرهم.

وقد اعتمد المترشحون على الاتصال الشخصي بالناخبين بشكل أساسي، نظراً لِما يحققه هذا النوع من الاتصال من فوائد محقَّقة في إطار الحملة الانتخابية، حيث تتمّ فيه المواجهة والمشافهة والتحاور والنقاش في العديد من القضايا والمفاهيم التي لا يمكن أن تتمّ على هذا النحو إلا من خلال هذا اللون من الاتصال، والذي يُعَرِّفه خبراء الإعلام بأنه اتصال يتضمّن مواجهة مباشرة بين القائم بالاتصال والمستقبِل، وتؤدي إلى التغيير الإيجابي بالنسبة إلى المترشح في سلوك المستقبِل واتجاهاته.

* أستاذ الإعلام المساعد - جامعة البحرين