الرئيس اللبناني يلمح بأن تعطيل تشكيل الحكومة هو مؤامرة عليه وعلى لبنان، ويقول في تصريح له لجريدة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله: «وقد يكون بعض الخارج يريد الوصول إلى هذه المحطة» -ويقصد التعطيل- وإلا ماذا يفسر الحصار المالي علينا، واستمرار إيصاد الأبواب في وجهنا؟ أطرح أكثر من علامة استفهام حيال مقاطعة بعض الدول العربية لنا رغم إيفائنا بالتزاماتنا حيالها وإزالة سوء التفاهم ورغم ذلك لم يطرأ أي تحسن على علاقاتنا بها وكما أنها لا تريده، مضت أشهر على ذلك ولا نزال تحت المقاطعة، هل ثمة ما يضمر لنا؟».

يتساءل المرء عن نوع التحسّن الذي يطالب به السيد عون الدول العربية وقد عادت العلاقات الدبلوماسية بينها وبين دول الخليج، وماذا يقصد «بالحصار المالي» هل دول الخليج وعلى رأسها السعودية تتحكم في النظام المالي اللبناني؟

واضح أن التساؤلات تقصد لِمَ غيرت المملكة العربية السعودية سياستها الخارجية في تقديم الدعم والمساعدات التي دأبت عليها لعقود مضت، عون يلمح بأن المساعدات غير المشروطة لم تصل، أن الدعم اللامحدود انقطع، وتلك أمور لا هي واجب ولا هي من شروط أي علاقة تجمع بين دولتين ولا يعتبر وقفها مقاطعة، واتهام المؤامرة لا ينطبق على حرمانك ما ليس لك أصلاً، إنما هذا دليل أن الكثير من الدول التي تعاملت مع المملكة العربية السعودية اعتمدت على مساعداتها حتى ظنت أنها حق مكتسب.

حتى الإعلام الأمريكي يشن حملة على المملكة العربية السعودية لأنها السبب كما يعتقد ببقاء أسعار النفط مرتفعة وتكبيده وتحميله مسؤولية ارتفاع الأسعار والتضخم على المواطن الأمريكي، وكأن السعودية مكلفة برعاية مصالح المواطن الأمريكي تلقائياً، وأنها مجبرة على مراعاة ميزانية المواطن الأمريكي حين تحدد كمية الإنتاج وتحدد السعر!!

ليس هذا فحسب بل يحمّلون السعودية مسؤولية عدم سقوط بوتين لأن السعودية لم تقاطع روسيا ولأنها مازالت تتعامل معه وتشتري منه بعض مستخرجات البترول. الإعلام الأمريكي يعتقد أن السعودية مجبرة على تحديد حلفائها وفقاً للأجندة الأمريكية، وتأجيل مصالحها ومصالح مواطنيها إلى ما بعد سد حاجة المواطن الأمريكي. لقد أصبح الدعم الاختياري السعودي للحلفاء حقاً مكتسباً تلام السعودية إن هي توقفت عنه!

مما يدل على أن سياسة المملكة العربية السعودية التي كانت تقدم الدعم بلا مقابل من باب الكرم والإنسانية والصداقة والتحالف ساهمت في ترسيخ النظرة لذلك الدعم على أنه حق مكتسب لا يجب أن تمنعه أو تحجبه وإلا كانت تتآمر على الآخرين.

قبل خمس سنوات وتحديداً في عام 2017 كتبت في صحيفة «الوطن» البحرينية مقالاً عنوانه «حين تتدلى أنابيب الأوكسجين ابدأ بنفسك» ملخصه دعوة للمملكة العربية السعودية أن تهتم بنفسها أولاً وبمصالحها أولاً وبما ينفعها ويعود بالفائدة على شعبها أولاً أكثر وقبل أن تهتم بالآخرين كما دأبت، وتلك ليست أنانية إنما هي نظرية معروفة للسلامة توضحها لك شركات الطيران قبل الإقلاع «فهناك مبدأ متعارف عليه يتعلق بأولويات الإنقاذ والإسعاف، لا يختلف عليه اثنان ويتناسق مع أولويات الحياة، يشرحه ببساطة شديدة وبالصور والفيديو مضيفو الطائرات دوماً قبل الإقلاع، ملخّصه أنه في حالة الطوارئ وحين ترى خراطيم الأوكسجين تتدلى من السقف وترى الجميع يتعرض لذات الخطر بذات الدرجة معك، ابدأ بإنقاذ نفسك إن كنت تريد مساعدة الآخرين، ضع الخرطوم على أنفك أولاً وتنفس جيداً، ومن بعدها قدّم المساعدة لمن حولك، أي أن المبدأ ليس منطلقاً من منطلقات أنانية أبداً، بل يرتكز على أولويات الحياة وأهمها.. أنقذ نفسك كي تستطيع أن تنقذ الآخرين، أما إن بدأت بغيرك وضعف تنفسك وأنت تحاول إنقاذ الآخرين فإنك لن تستطيع إنقاذ حتى نفسك؛ وقد لا تستطيع إنقاذ الآخرين».

والسبب أن المملكة العربية السعودية كثيراً ما ساوت بين مصالح شعبها ومصالح حلفائها بل إنها في أحيان كثيرة أجلت مصالحها وقدمت المساعدات للآخرين، هذه السياسة ما عادت تصلح حتى للعلاقات الفردية، فالإيثار قيمة أخلاقية عالية جداً تقدم لمن يستحق، إنما في العلاقات الدولية حيث تتحمل الأنظمة مسؤولية شعوبها وسلامتهم أولاً لا وجود ولا مكان لتلك القيمة، إنما يبدو أنه حين اتخذت المملكة هذا القرار السليم والطبيعي والعادي جداً والذي تلتزم به كل الأنظمة تجاه شعوبها، أصبحت السعودية تتآمر على الشعوب الأخرى في نظرهم، وعليكم قياس أسباب الهجوم من العديد من الشعوب والجماعات!