إذا حاولت أن تفتح مشروعاً مشابهاً لمشروع جارك فلن يمر الأمر دون مشاكسات ومضايقات حتى يجبرك على عدم منافسته والاستغناء عن شراء بضاعته، وهذا أمر طبيعي يحدث سواء كان المشروع صغيراً أو كبيراً، أو مشروعاً وطنياً ينافس مشروعات دول أخرى تريد أن تصدر بضاعتها إليك.

هناك مقطع فيديو قديم يتم تداوله هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي للزعيم الراحل جمال عبدالناصر رحمه الله، تحدث عن هذه القضية مع الشعب فقال: «نريد أن نضاعف عدد المصانع ومساحات استصلاح الأراضي الزراعية، وفي عام 1952 استثمرنا في المصانع 2 مليون جنيه، وفي العام الذي يليه 115 مليوناً والذي بعده أكثر من 150 مليون جنيه».

هذه الأرقام المتضاعفة على مر 3 سنوات استطاعت أن تنقل مصر نقلة نوعية، جعلتها هدفاً للدول الاستعمارية التي ستتوقف صادراتها لدولة ذات كثافة سكانية عالية مثل مصر، فكان القرار هو ضرب مصر وإجهاض مشروعاتها.

الذي لفت نظري في حوار الزعيم جمال عبدالناصر عندما وجه سؤالاً للحاضرين قائلاً: هل الشعب فعلاً يريد غلق المصانع واستبدالها بالاستيراد؟.. هذا السؤال يجب أن نسأله لأنفسنا اليوم وكل يوم.. هل نحن فعلاً نريد النوم في البيت والاتصال لطلب أي وجبة، أم يمكننا شراء مستلزماتها ثم تحضير الوجبة في المنزل؟

للأسف الإجابة اليوم مختلفة عن زمن أول، ولو طرحنا هذا السؤال على آبائنا وأجدادنا لوجدناهم يفضلون العمل والمثابرة على الكسل والاعتماد على الآخرين، فهل نحن مختلفون عن السابقين أم بالإمكان إعادة تخطيط مستقبلنا بشكل أفضل؟

نعم سنواجه حرباً شرسة من الدول الصناعية لو فكرنا مشاركتهم في صناعاتهم، لكن الأمر يستحق الحرب، لأنها حرب مصيرية، فإما أن نأخذ نصيبنا من كعكة الصناعة ولو بنسبة بسيطة، وإما سيأتي علينا يوم سيتحكم فيه هؤلاء بمصيرنا بالكامل.

ولإضافة مسحة من التفاؤل على المقال، فإن الصناعات اليوم مختلفة ومتنوعة وتتفرع وتتكاثر، وليست كما كانت في السابق، ولذلك فالبدائل الكثيرة تتيح مساحة للحرية في اختيار الصناعة التي سنؤسسها، والسوق التي سنعمل فيها تتمتع بتشعب كبير، لكن يبقى علينا التفكير بذكاء لدعم واختيار المشروع ودراسة جدواه ومخاطره ومردوده، ووضع خطة مشروعات صناعية وطنية، تجعلنا فاعلين في المجتمع الدولي، وتساعد في خلق وظائف للأجيال القادمة، وللحديث بقية.

قبطان - رئيس تحرير جريدة ديلي تربيون الإنجليزية