قد يستغرب البعض من اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بعد قطيعة سنوات، تخللتها مشاحنات واتهامات بين الطرفين في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، ولكن كما يقال في السياسة لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم، ولكن هناك مصالح دائمة.

ونقطة الاستغراب ليست في عودة المياه السعودية الإيرانية إلى مجاريها، أو هكذا يبدو، ولكن الاستغراب يكمُن في الوساطة الصينية، وهو أمر ليس معتاداً من قبل، حيث إن الوساطة اقترنت أكثر بالولايات المتحدة، مما يثير تساؤلات عديدة هنا، منها: هل تُزاحم الصين لدور ظل حكراً لسنوات طويلة على الولايات المتحدة؟ أم إنه مجرد دور تنسيقي و«تبادل أدوار» بين الطرفين؟ بالرغم من أن موقفهما الدائم هو «التفنن» في معارضة كل طرف للآخر.

ثم إن الشقيقة الكبرى السعودية، وعندما تقبل الوساطة الصينية للتصالح مع النظام الإيراني، فهل يعني ذلك أن الصين أخذت موقع الحليف الاستراتيجي القوي في المنطقة، ليس اقتصادياً فقط، بل سياسياً أيضاً؟، وهل قطعت السعودية -بهذا الاتفاق- الطريق على الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي ترغب في إشعال المنطقة، يذهب ضحيتها ليست إيران فقط، بل دول الخليج العربي، التي قد تجد بعض دولها -خاصة السعودية-، في موضع للمساومات وتقديم تنازلات لأجل إيقاف حرب تؤخر تنميتها.

من أجل ذلك، جاء هذا الاتفاق بأبعاده لقطع كل السُبل التي لا تصب في صالح المنطقة، ولتثبت الدبلوماسية السعودية كذلك علو كعبها مجدداً، حيث اختارت توقيتاً مثالياً ومفاجئاً، كعادة المملكة، لهذا الاتفاق الذي يجعل إيران تحت ضغط كبير، واضطرار أكبر لتأجيل مشاريعها التوسعية، ولجم أذرعها ومرتزقتها في المنطقة، ليس من أجل السعودية، بل من أجل الصين التي هي واجهة هذا الاتفاق، وإيران تعلم أنها قد تخسر الصين حليفتها الأقوى إلى الأبد في حال عدم التزامها ببنود هذا الاتفاق، وبالتأكيد هي لا ترغب بذلك.

أما الولايات المتحدة فقد أظهرها هذا الاتفاق بشكل غير معهود، ومن يدري، لعل تُكمل دول خليجية أخرى ما بدأته السعودية مع الصين، لنجد روسيا مثلاً تأخذ دوراً مشابهاً في المنطقة، وبالتالي تشتعل «الغيرة السياسية» لدى أمريكا التي ستبقى بدون شك حليفاً استراتيجياً، رئيسياً وهاماً، ولكنها إلى جانب حلفاء استراتيجيين آخرين، رئيسيين ومهمين لدول الخليج العربي.