نجحت وزارة التربية والتعليم في سعيها لتوفير تجربة مثلى وبيئة دراسية متكاملة لطلاب المدارس بما يتماشى مع أهداف المسيرة التنموية الشاملة بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، فهناك فعلاً توصيف جديد في واقع التعليم بات أكثر تقدماً من حيث المواصفات العصرية التي تنشأ عليها المدارس الحكومية، وتوظيف التكنولوجيا في التعليم لتمكين الطلاب رقمياً، وإمكانية اكتساب مهارات حياتية جديدة، والتنافس من أجل تحقيق متطلبات جودة التعليم في كافة المراحل.

ويتحقق ذلك بالكثير من الجهود الملموسة مثل تطوير الكادر التعليمي، وإنشاء مدارس جديدة بمواصفات مثالية، وتطوير المناهج، وغيرها. وكولية أمر وكمهتمة ومتابعة لما يحدث في مسار التعليم، أدرك حجم الفارق الكبير الذي طرأ على المدارس، فهناك ملاعب ذات قياسات ومواصفات عالية، وصالات متعددة الاستخدام للمناسبات التعليمية والأنشطة المختلفة، ومختبرات للعلوم والتصميم والتقانة، والأجمل مبان خضراء صديقة للبيئة وموفرة للطاقة، إلى جانب توفير التكنولوجيا الرقمية الداعمة لطرق التدريس الحديثة.

كل ذلك واقع جميل نجحت وزارة التربية في إيجاده في بعض المدارس لا جميعها، وهنا بالتحديد وجب إكمال الصورة، فهناك مدارس بعيدة كل البعد عن كل هذا القدر من التطور.

وعلى صعيد آخر ثمة زيادة طلابية في المدارس وازدحامات على الطرقات، يجعلاننا أمام حاجة فعلية إلى فتح مدارس جديدة لتقليل الضغط على المدارس القديمة، الأمر الذي سيترتب عليه زيادة في عدد المدرسين، وتحسين دورة العمل في الميدان والذي يجب أن يقاس بجودة شرح الدرس أولاً وأخيراً وقدرة المعلم على توصيل المعلومة، إضافة إلى ضرورة تشديد الرقابة على المدارس عامة ومدارس البنين خاصة في مفاصل العملية التربوية والتعليمية لضمان تأدية المهمة على أكمل وجه.

وسأزيد في الطموح بعمل حملات تفتيشية على سلوك الطلاب وضمان نظافة دورات المياه، وزيادة عدد كادر الإشراف الاجتماعي الذي يجب أن يكون دوره واضحاً وفاعلاً في المدرسة، وإدخال مجالات جديدة في كادر التعليم مثل زيادة أعداد المتخصصين في صعوبات التعلم ومشاكل النطق وغيرها بشكل ثابت لا بزيارات دورية، إذ ثمة حاجة إلى وجودهم الدائم ضمن كادر المدارس، فكل ذلك وغيره سيسهم في تقديم باقة متكاملة من الخدمات التربوية والتعليمية للطالب بشكل أفضل وأشمل يرتكز في أساسه على تعميم فكرة رفع كفاءة العمل وتحسين التعليم، وتقليل عدد الطلاب داخل الفصل، وإتاحة الفرصة أمام المدرس للتركيز على الطلاب ممن هم بحاجة إلى المزيد من التركيز، وعمل برامج تقوية داخلية، وفتح الفصول عصراً لمن يحتاج إلى التقوية، كلها أمور يمكن وضعها قيد التنفيذ، شرط زيادة الكادر، وتغييره كماً ونوعاً.

الطالب اليوم يستطيع وبسهولة استحضار أي معلومة يريدها بضغطة زر، ولكن الفيصل هو توظيف هذه المعرفة وربطها وقوة التعبير عنها، وللمدرسة قدرة هائلة على إحداث تغيير جذري في تفكير الطلاب، لذلك لم يعد الحفظ هو المطلوب، بل القدرة على التعامل مع المادة وتوظيفها.

إن واقع المدارس اليوم يجعلنا أمام مسؤولية التفكر في أولويات العمل التي تختلف في بنائها ومضمونها بين ما جاء في هرم «ماسلو» وما يحويه هرم «بلوم»، ففي الوقت الذي يأتي في أعلى هرم «ماسلو» القدرة على التطوير والتي تأتي نتيجة لما قبله من توفر الاحتياجات الأساسية والأمان والعلاقات ومن ثم احترام الذات، يأتي الابتكار في قمة هرم «بلوم» وهو نتيجة لمراحل عديدة تبدأ بالتذكر والفهم والتطبيق ومن ثم التحليل والتقويم وصولاً إلى النتيجة المطلوبة ألا وهي الابتكار، وبين الاثنين ثمة الكثير للعمل عليه.

من هنا يمكن القول إن المثالية حلم جميل ليس بصعب التحقق، ولكن الواقع لا يزال يحتاج إلى الكثير لبلوغه، رغم أملنا الكبير ولهفتنا الشديدة لأن يعيش أبناؤنا هذه المثالية، وختاماً.. لنترك كل ما تقدم ولنسأل أبناءنا صباحاً قبل دخولهم للمدرسة: «هل أنت سعيد بدخولك للمدرسة هذا الصباح»؟.. وحتماً ستحمل الإجابة حقيقة الواقع.