أطلقت شركة (OpenAI) في نهاية عام 2022 تطبيق (ChatGPT) وهو أحد أنواع تطبيقات الذكاء الصناعي، يطلق عليها اسم (AI Text generators)، المبرمجة لإنشاء نص من خلال طرح الأسئلة الكتابية أو الأوامر من المستخدم، ولكن سرعان ما اكتشف المستخدمون أنها لا تقتصر على إجابة الأسئلة فقط، بل يمكن توظيفها في عملية الكتابة، ما أدى إلى انتشار استخدامها بين موظفي المؤسسات والشركات بمختلف أحجامها واعتمادهم عليه بشكل كبير في كتابة خطابات العمل والمراسلات وإعداد التقارير والملخصات والإعلانات والخطط وغيره.

ويعود جذبها مئات الملايين من المستخدمين وانتشارها القوي بين الموظفين إلى سببين، الأول هو إمكانية إعطاء أجوبة مفصلة يحتاجها الموظف لتأدية عمله وذلك خلال أجزاء من الثانية، والعامل الثاني هو صعوبات الكتابة، حيث يرى الكثير بأنها عملية تستغرق وقتاً طويلاً وتحتاج مهارات فكرية لازمة وإجادة اللغة.

وبالتالي تعتبر هذه التطبيقات الذكية في نظر المستخدمين بمثابة العصا السحرية التي يمكن الاعتماد عليها في التعامل مع الصعوبات التي تواجههم في العمل كونها تتيح لهم قدرة الحصول الفوري على المعلومات التي يحتاجونها دون عناء البحث في محركات البحث، وبصيغة مجمعة ومنظمة ومصاغة بأسلوب لغوي فعال دون عناء القيام بكل ذلك بنفسهم.

فعلى سبيل المثال، يمكنك إعداد مقال تحليلي من ألفي كلمة منسق ومدعم بالشروحات والأمثلة في حوالي سبع ثوانٍ، كما يمكن حتى تأليف وكتابة كتاب كامل بصيغة شبه نهائية في غضون 24 ساعة باستخدام (ChatGPT) أو غيره من هذه التطبيقات.

ونتيجة لهذه المزايا الهائلة، أصبح (ChatGPT) وغيره من التطبيقات المماثلة ظاهرة جديدة يتحدث الجميع عنها، وبدأ الموظفون تعلمها واستخدامها لاختصار كثيراً من الوقت والجهد اللازمين لإنجاز المهام والبحوث، وتحسين مستوى كتاباتهم وخطاباتهم، واكتساب المزيد من المعرفة التي تفيد في تخصصاتهم العملية والعلمية.

لا يختلف اثنان على أن هذه التطبيقات الذكية هي مصدر قوة يمكن للموظف تسخيرها لصالحه، ولكن ماهي الطريقة الصحيحة لاستخدامها؟ بما أن كما يقول الكاتب يوسف إدريس أن «الكتابة هي تجسيد للقراءة، والقراءة هي تجسيد للمعرفة، والمعرفة هي تجسيد للخبرة»، فإن أكثر الأعمال قيمة للموظف هي ما ينتجه بمعرفته وخبرته، وما يكتبه بنفسه.

وبالتالي ينبغي استخدام تلك التطبيقات كإضافة ثمينة مكملة لما يمتلكه الموظف فعلاً من خبرة ومعرفة لا كبديل عنها، فإذا اعتمد بشكل مكثف على ذكاء التطبيقات في إنتاج أعماله وصنع أفكاره وآراءه دون فهم كافٍ وإلمام بتفاصيل الأمور، سوف يظهر أثناء التعامل والتواصل المباشر مع الرؤساء والزملاء بمستوى معرفة ومقدرة مغايرة لما يحاول إظهاره مستعيناً باستخدام التطبيقات.

أيضاً، لا ينبغي اعتماد الموظف على محتويات هذه التطبيقات بشكل أحادي في زيادة المعرفة وتميز الأداء العملي، إذ إنه ربما يؤثر أو يثبطه عن البحث والتنقيب المعلوماتي من المصادر الأصلية، وعن الدراسة والتجريب بنفسه، كما أنها تعطي مستخدميها إجابات متكررة والتي قد لا تخدم الاحتياجات الدقيقة للموظف وتحقق له التميز.

أما بالنسبة لتحسين فاعلية الكتابة، فنرى أن من الأفضل أن يستخدم الموظف التطبيقات بعد أن ينتهي من صياغة الكتابات والخطابات بنفسه أولاً وليس العكس حتى لا تضعف المهارات التفكيرية والكتابية، كما أن لكل منا أسلوباً كتابياً خاصاً يميزه عن غيره يمكن فقده بالإفراط في استخدام هذه التطبيقات في الصياغة وتحسين الأسلوب الكتابي.

إن هذه التطبيقات هي أحد نواتج تقدم الذكاء الاصطناعي في العصر الحالي، وباستمرار تطويرها سوف تصبح شيئاً فشيئاً جزءاً أساسياً في العمل والحياة اليومية، ما سيحدث تغيرات جذرية في أساليب العمل والتعليم، ويخلق تأثيرات إيجابية وسلبية على المؤسسات وحياة الناس والمجتمع وفقاً لطبيعة توظيفها وأسلوب استخدامها، الأمر الذي يدعو لاكتشاف الأوجه المختلفة لهذه التطبيقات حتى يتم التحكم فيها.

* أستاذ مساعد – جامعة البحرين