تحتل مملكة البحرين مكانةً مرموقة وسجلاً حافلاً في تاريخ الخليج العربي والأمة العربية والعالم، إذ كان لموقعها الاستراتيجي والعوامل الجغرافية والبشرية، أثر في بروزها المتميز في مختلف المجالات، فضلاً عن زيادة تأثيرها الكبير في مختلف مراحل تاريخها، حيث اتخذت البحرين منذ نشأتها نهجاً سياسياً معتدلاً، وسعت للحفاظ على علاقات طيبة مع كافة الدول العربية والإسلامية، كما لعبت دوراً بارزاً في حل النزاعات العربية، وتعزيز التضامن والتعاون بين الدول العربية.

بحرين العروبة.. إرث مستمر: عُرفت مملكة البحرين منذ القدم بكونها مهد العروبة وحاضنة الهوية العربية الأصيلة. فمنذ قبل الإسلام حرصت على توثيق علاقاتها مع جيرانها من ممالك العرب في شمال الجزيرة حتى جنوبها، وشاركت في الأحداث المفصليّة التي تدعم عروبة واستقرار المنطقة، ومع بزوغ فجر الإسلام سارعت لاعتناقه وأدت أدواراً في خدمته مستمرةً في نشره وتوطيد علاقاتها مع جيرانها العرب، واستمرت رمزاً للعروبة في ظل الدول والأسر العربية التي تعاقبت على حكمها، وفي العصور الحديثة حافظت على عروبتها منذ تأسيس الدولة على يد الشيخ أحمد الفاتح دولةً عربيةً مستقلة 1783م الذي أرسى أُسُس التضامن العربي ونَصّ على توحيد كلمة العرب والعمل على نهضتهم. فتجلّى بذلك دور البحرين العربي وسارعت للاشتراك في مختلف المنظمات العربية والإسلامية.

البحرين وجامعة الدول العربية: تأسّست جامعة الدول العربية منذ العام ١٩٤٥م لتقوم بمهمتها في تعزيز ودعم أواصر الترابط السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين الدول الأعضاء، حيث أكّدت قدرتها على الاستمرارية وأداء مهامها بما مثّلته من أدوار منذ تأسيسها وبما كان للدول العربية من جهود ورؤى للنهوض العربي والوحدة، وقد حرصت البحرين على الانضمام لجامعة الدول العربية منذ وقت مبكر حيث أدّت أدواراً مهمة وساندت قضايا العرب المهمة ففي الصعيد السياسي حرصت على دعم الأمن والاستقرار والسلام الإقليمي ومكافحة الإرهاب والقرصنة، وفي الجانب الاقتصادي دعمت الاستثمار والمشاريع العربية المشتركة، والتبادل التجاري، وفي الجانب البيئي سعت لمساندة قضايا الأمن الغذائي والتنمية المستدامة، كما برزت جهودها في المجال الحقوقي ومجال رعاية الشباب ودعم المرأة وغيرها من الجوانب، لتسهم بفاعلية في دعم الجامعة ومشاركتها مسؤوليتها العربية لضمان مستقبل أفضل وجعل المنطقة أكثر أمناً واستقراراً.

بحرين العروبة منذ عهد أحمد الفاتح حتى عهد الملك المعظم: ومع قيام دولة البحرين الحديثة وبدء العهد الخليفي في البحرين تعزز دور البحرين إقليمياً وعربياً ودولياً واتضحت مؤشرات علاقاتها الخارجية، والتي وإن كانت تمثل امتداداً للمرحلة السابقة، إلا أنها تضمنت متغيرات ومبادئ سياسية كبيرة وإصلاحات متنوعة ساهمت في زيادة مكانة البحرين في تاريخها الحديث، وصولاً لمرحلة متقدمة إثر تطور النظام السياسي في مملكة البحرين حيث شهدت إنهاء المعاهدات مع بريطانيا في 15 أغسطس 1971م، وانضمام البحرين للأمم المتحدة والجامعة العربية حيث انتقل نظامها السياسي إلى مرحلة جديدة لتعزيز دورها، وقد سار حكام آل خليفة الكرام في سياستهم الخارجية انطلاقًا من منطلق قومي يسعى لتوحيد الصف العربي ودعم صموده فشاركت البحرين عبر تاريخها في مختلف المؤتمرات العربية الإسلامية، وصولاً إلى تولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه دفة الحكم في البحرين في مارس 1999م، لتبدأ في عهده مرحلة جديدة من مراحل التطوير والتحديث السياسي في البلاد، حيث أعلن جلالته انطلاق المشروع الإصلاحي بما يمثله من رؤية إصلاحية وتجربة سياسية رائدة تتضمن تنمية سياسية واقتصادية شاملة لمملكة البحرين، لتواكب بذلك المتغيرات الإقليمية والعربية والدولية مع بدء الألفية الثالثة. مع التركيز على تنظيم وتعزيز لعلاقاتها الخارجية خصوصاً على مستوى محيطها العربي بما ينسجم مع إرثها الأصيل وقيمها العربية والإسلامية، ومنها على وجه الخصوص قيامها بالدور المؤثر في تعزيز العلاقات العربية القائمة على التعاون والتضامن المشترك والدور الإيجابي في نصرة القضايا العربية المصيرية.

وقد تجسّدت سياسة البحرين في هذا المجال عبر نصوص واضحة في ميثاق العمل الوطني، حيث ورد فيه أن « دولة البحرين تعتز بحقيقة انتمائها العربي، وبكون شعبها الأبي جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية، وأن إقليمها جزء من الوطن العربي الكبير، وقد تجسّد هذا الانتماء ليس فقط في وحدة اللغة والدين والثقافة ولكن أيضاً في الآمال والآلام والتاريخ المشترك».

كما أكّد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه على التزام البحرين بدعم العمل العربي المشترك في مختلف المحافل، حيث قال جلالته في خطاب افتتاح الدور الثاني من الفصل التشريعي الرابع: «إنّ ما نشهده في محيطنا العربي من أحداثٍ جسام تهدد أمن وسلامة ووحدة دول عربية شقيقة... يتطلب منا عملاً عربيًا جماعيًا في إطار جامعة الدول العربية – بيت العرب – حفاظًا على الكيان العربي وأمنه القومي المشترك والدفاع عن قضاياه العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وصولاً إلى الحل العادل والدائم الذي يكفل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف».

قمة البحرين.. الآمال والتطلعات: تأتي استضافة مملكة البحرين لقمة الدول العربية في وقت صعب لتدلل على المكانة التي تتبوأها مملكة البحرين حيث مثّلت القمة محطة فاصلة تزامن انعقادها في ظل أحداث مهمة، فكانت موضع آمال وتطلعات الشعوب العربية فقد أولت البحرين جهودها استمراراً لنهجها الراسخ والساعي لدعم التكاتف العربي ودعم جامعة الدول العربية، حيث ناقشت عدداً من المقترحات البنّاءة بما يدعم الدول العربية لتؤكد ذلك نتائجها الفاعلة وتثبت عراقة الدبلوماسية البحرينية إذ شهدت هذه القمة نقاشات هامّة حول القضايا العربية والإقليمية، وخرجت بتوصيات مهمة تهدف إلى تعزيز العمل العربي المشترك في مختلف المجالات في مقدمتها القضية الفلسطينية، بما يؤكد موقف مملكة البحرين الثابت تجاهها والحرص على دعم الحقوق المشروع للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة والحرص على تسوية النزاعات بالطرق السلمية لدعم الاستقرار الإقليمي وتوفير فرص الأمن والازدهار لشعوب المنطقة. وإلى جانب دورها الدبلوماسي والسياسي، تُقدم البحرين أيضاً مساهمات كبيرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على المستوى العربي عبر العديد من المبادرات الهادفة، وتُعد مملكة البحرين بذلك نموذجًا رائدًا في العمل العربي المشترك، وتُقدم مساهمات هامة في تعزيز التضامن العربي والنهوض بالأمة العربية.

قمة البحرين.. النجاح والدلالات: إنّ نجاح هذه القمة، والتفاعل الكبير الذي حظيت به يضاف إلى سلسلة الإنجازات المشرّفة والنجاحات البارزة في عهد صاحب الجلالة الملك المعظم، وما هو إلا دليل على ما تتمتع به مملكة البحرين من قدرات تنظيمية فائقة وما تتميّز به من ثقلٍ ومكان في محيطها إقليميًا ودوليًا وما ترنو له من أهداف سامية لترسيخ الأمن والسلم في المنطقة ونشر ثقافة التسامح والسلام ونبذ العنف، ولذلك استحقت كسب احترام وتقدير العالم أجمع. وما قمة البحرين اليوم إلا تأكيد جديد على دور المملكة الريادي في تعزيز العمل العربي المشترك وبناء مستقبل أفضل للأمة العربية.

* باحث في التاريخ وأكاديمي