في عصر أصبح المشهد الرقميّ يشكّل فيه جزءاً كبيراً من خطابنا الاجتماعيّ والثقافيّ والسياسيّ؛ برزت وسائل التواصل الاجتماعيّ سيفاً ذا حدّين. ومن بين أكثر التهديدات الخبيثة الكامنة على الشبكة العنكبوتيّة ما يسمّى بـالذباب الإلكترونيّ، والّتي تتمثّل في حسابات مسيئة ومجهولة المصدر في كثير من الأحيان تتعمّد نشر الأكاذيب وزرع الفتنة والكراهية، حيث تسمح الطبيعة المجهولة لهذه الحسابات لمشغّليها بالتخفّي وراء الشاشات، واستخدامها كوسيلة لنشر الشائعات والمعلومات الكاذبة والروايات المثيرة للانقسام. هذه الأيّام تواجه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة هذا التهديد بشكل مباشر، حيث تعمل هذه الآفات الرقميّة في بثّ سمومها تحت ستار حريّة التعبير والانفتاح -غير المقيّد- في منصّات التواصل الاجتماعيّ، ولكنّها في الأغلب لديها أجندة أكثر خبثاً بكثير تستهدف من خلاله زعزعة النسيج الاجتماعيّ والانسجام بين شعوب دول مجلس التعاون الخليجي.

ولمواجهة هذا التهديد، أدركت دول الخليج العربيّ الحاجّة إلى استجابة شاملة وموحّدة. فالمعركة ضدّ الذباب الإلكترونيّ ليست مجرّد معركة ضدّ التكنولوجيا؛ بل هي معركة للحفاظ على الهويّة الخليجيّة العربيّة والروابط الثقافيّة والاجتماعيّة الّتي ربطت بين أبناء الخليج بعضهم البعض عبر التاريخ. وعلى هذا النحو؛ لاحظنا كيف أنّ دولنا الخليجيّة تصدّت لهذه التهديدات بحملة قويّة ومنسّقة وتحرّك رسميّ وشعبيّ في مواجهة الذباب الإلكترونيّ. لم تتعلّق هذه المبادرة بحملة تبليك للحسابات الوهميّة فقط، بل تصدّرت الهاشتاغات الداعمة للحملة الموضوعات المتداولة في العديد من دول الخليج كخطوة حاسمة في الحفاظ على النسيج الاجتماعيّ الخليجيّ ومواجهة التكتيكات المثيرة للفرقة الّتي ينتهجها أولئك الّذين يسعون إلى زرع الفتنة.

تكمن في صميم هذه القضيّة أهمّيّة النهج الجماعيّ. فمكافحة الذباب الإلكترونيّ لا يمكن أن تخوضها الحكومات وحدها؛ فهي تتطلّب مشاركة فعّالة من المؤسّسات الإعلاميّة والمجتمع المدنيّ والجمهور، بالإضافة إلى تشجيع الاستخدام المسؤول لوسائل التواصل الاجتماعيّ، وبذل الجهود المتواصلة لتثقيف وتوعية المواطنين في دول الخليج حول أهمّيّة المشاركة لمكافحة هذه الظاهرة الخبيثة، والتحقّق من المعلومات ورفض المحتوى الّذي يسعى إلى خلق الفتنة والشقاق بين الأخوّة.

لا شكّ في أنّ هناك إدراكاً متزايداً لدى شعوب دول الخليج العربي بأنّ انتشار المعلومات المضلّلة والخلافات ليست مجرّد مشكلة عابرة؛ بل هي جزء من مخطط أوسع نطاقاً يهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة، لذلك فإنّ الردّ الجماعيّ على هذه التهديدات هو شهادة على قوّة تماسك أبناء دول الخليج العربيّ والتزامهم المشترك بحماية النسيج الاجتماعيّ الّذي يربطهم منذ القدم.

خلاصة القول، إنّ الجهود المتضافرة لدول مجلس التعاون الخليجيّ في مكافحة الذباب الإلكترونيّ هي شهادة على التزام دولنا الخليجيّة بحماية نسيجها الاجتماعي والحفاظ على استقرارها. ولا تقتصر هذه الإجراءات على التصدّي للتهديدات الآنيّة فحسب، بل تهدف أيضاً إلى تعزيز الهويّة الخليجيّة العربيّة والقيم والتماسك الّذي يقوم عليه المشهد الاجتماعيّ والسياسيّ في الخليج. وكما أكّد سعادة الدكتور رمزان بن عبد اللّه النعيمي، وزير الإعلام، فإنّ العلاقات التاريخيّة الراسخة والأواصر المتينة بين دول مجلس التعاون الخليجيّ، والّتي جاءت ثمرة الجهود المتواصلة لأصحاب الجلالة والسموّ قادة دول مجلس التعاون لـدول الخليج العربيّة حفظهم اللّه ورعاهم، وحرصهم العميق على ترسيخ هذه العلاقات والارتقاء بها في مختلف المجالات؛ لتُمثّل نموذجاً متميّزاً من الانسجام والتعاون يحتذى به عالميّاً، لذلك من الضروريّ حماية هذه العلاقات من أيّ محاولات لتعكير صفوها.

وما هذه المبادرات الجارية للتصدّي للذباب الإلكترونيّ إلّا جزء مهمّ من هذا الجهد الأوسع نطاقاً للحفاظ على الروابط بين الأخوّة وبما يصبّ في صالح وحدتنا الخليجيّة وتعزيز تماسكنا على جميع المستويات. ستكون اليقظة المستمرّة والعمل الجماعيّ لدول مجلس التعاون الخليجيّ وشعوبه عاملاً أساسيّاً في حماية استقرار خليجنا الواحد وازدهاره للأجيال القادمة.

حفظ الله خليجنا عامراً مزدهراً آمناً، وحفظ الله قادتنا الكرام وسدد خطاهم.. اللهم آمين.