د. عبدالقادر عمران

لقد أثار صعود أدوات الذّكاء الاصطناعيّ مثل ChatGPT جدلاً كبيراً بشأن التّوازن بين مزاياها والمخاوف والمحاذير الأخلاقيّة التي تصاحب استخدامها. ومع دمج أدوات الذّكاء الاصطناعيّ في مختلف الصّناعات، مثل: الرّعاية الصّحيّة، والتّعليم، وخدمة العملاء- أصبحت الحاجة إلى موازنة فوائده مع مخاطره المحتملة أمراً ملحّاً وبشكلٍ متزايد.وتتمثل إحدى المزايا الرّئيسة لتطبيق ChatGPT –مثلاً- في قدرته على أتمتة المهامّ، مما يقلّل بشكل كبيرٍ من الوقت الّذي يُقضى في الأنشطة الرّوتينيّة المتكرّرة، وسواء تعلّق الأمر بصياغة رسائل البريد الإلكترونيّ أو الرّدّ على استفسارات العملاء أو إنتاج التّقارير، فإنّ ChatGPT يسمح للشّركات بتبسيط العمليّات وتعزيز الإنتاجيّة فتؤدّي هذه الكفاءة المتزايدة إلى توفير كبير في التكاليف، وخاصّة للشّركات التي تتطلّع إلى إدارة الموارد بشكل أكثر فاعليّة.وتكمن فائدة أخرى في قدرة ChatGPT على تقديم تفاعلات شخصيّة للمستخدم، فيمكنه تحليل مدخلات المستخدم لتقديم استجابات مخصّصة في الوقت الفعلي، فعلى سبيل المثال، في مجال الرعاية الصحية، يمكن للذّكاء الاصطناعيّ المساعدة في تخصيص توصيات العلاج، بينما في التّعليم يمكنه تقديم تجارب تعليميّة مخصّصة للطّلاب. فقابليّة التّوسّع في هذا التّخصيص تجعل ChatGPT قيّمة في الصناعات التي تتطلّب خدماتٍ سريعة ومخصّصة، بما يضمن حصول المستخدمين على اهتمام فرديّ، حتى في الإعدادات واسعة النّطاق.وبالإضافة إلى التّخصيص، يعزّز ChatGPT إمكانيّة الوصول إلى مجالات مختلفة، وخاصّة التّعليم، فتوفّر المنصّات الّتي تعمل بالذّكاء الاصطناعيّ إمكانية الوصول إلى الدّروس والمحاضرات والأنشطة على مدار السّاعة طوال أيّام الأسبوع، بما يضمن حصول المتعلّمين من جميع أنحاء العالم على المساعدة بغضّ النّظر عن موقعهم الجغرافيّ. ولعلّ ديمقراطيّة التّعليم هذه تبدو حيويّة في تضييق الفجوة بين أولئك الّذين لديهم إمكانيّة الوصول إلى الموارد وأولئك الّذين لا يستطيعون، وبالتّالي جعلت هذه التّطبيقات التّعليم الجيّد الفعّال أكثر قابليّةً للتّحقيق.ومع ذلك، تُلقي المخاوف الأخلاقيّة بظلالها على هذه المزايا. فإحدى القضايا الحرجة هي الخسارة المحتملة للتّعاطف البشريّ في الصّناعات، ففي مجال الرعاية الصّحيّة، يمكن استخدام الذّكاء الاصطناعيّ ليحلّ محل التّفاعلات الشّخصيّة. ففي حين يُمكن للذّكاء الاصطناعيّ تقديم نصائح تشخيصيّة دقيقة، فإنه لا يستطيع توفير الدّعم العاطفيّ الّذي يقدّمه الأطبّاء البشريّون، وخاصّةً في المواقف الدّقيقة مثل: رعاية نهاية الحياة، أو التّعافي من الصدمات.وهناك اعتبار أخلاقي آخر مهمّ وهو قضيّة خصوصية البيانات وأمنها، فأنظمة الذّكاء الاصطناعيّ مثل ChatGPT تعتمد على كمّيّات هائلة من البيانات، الّتي غالباً ما تكون شخصيةً وحساسةً بطبيعتها. وبينما تلتزم المنظمات عادةً بقواعد حماية البيانات، فإنّ المخاوف بشأن خروقات البيانات وإساءة استخدامها موجودة دائماً. وفي الصّناعات مثل التّمويل أو الرعاية الصّحيّة -حيث تكون حساسية البيانات ذات أهميّة قصوى- تكون المخاطر عالية بشكل خاصّ.والتّحيّز في خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ هو مصدر قلق ملحّ آخر، في ظل البيانات الضخمة التي يُتعامل معها والتي تؤدي إلى تفاوتات خاصة في مجالات حسّاسة مثل التّوظيف أو الإقراض، حيث يُمكن لأنظمة الذّكاء الاصطناعيّ المتحيّزة أن تؤدّي إلى تفاقم هذه التّفاوتات. ولعلّ معالجة التحيّز الخوارزمي أمرٌ بالغ الأهميّة؛ لضمان العدالة والإنصاف في اتّخاذ القرارات الّتي يقودها بل يتبنّاها الذّكاء الاصطناعيّ.وعلى الرّغم من هذه المخاوف، فإنّ قدرة ChatGPT على تعزيز المهارات البشريّة بدلاً من استبدالها تشكّل ميزة ملحوظة. ففي مجالات الرّعاية الصّحيّة أو الصّحافة، يمكن لـChatGPT التّعامل مع المهامّ الدّنيويّة مثل صياغة التّقارير أو تلخيص المعلومات، بما يُحرّر المهنيّين للتّركيز على أنشطة أكثر استراتيجيّة تتطلّب البصيرة والإبداع البشريّ. فمن خلال العمل جنباً إلى جنب مع الذّكاء الاصطناعيّ، يمكن للعمّال زيادة كفاءتهم مع الاستمرار في لعب دور حاسم في المهامّ الأكثر تعقيداً.ومع ذلك، فإنّ الاعتماد المفرط على الذّكاء الاصطناعيّ يشكّل خطراً على المهارات البشريّة. فمع تولّي الذّكاء الاصطناعيّ مهامّ مثل حلّ المشكلات أو اتّخاذ القرارات، هناك قلق من أن يصبح النّاس معتمدين عليه بشكل مفرط، مما يؤدّي إلى انخفاض التّفكير النّقديّ والخبرة البشريّة. وفي السّيناريوهات عالية المخاطر، قد يؤدّي الاعتماد غير المشكوك فيه على المعلومات التي يولّدها الذّكاء الاصطناعيّ إلى نتائج معيبة.وأخيراً، فإن مسألة المساءلة تشكّل مصدر قلق أخلاقي كبير عند استخدام الذّكاء الاصطناعيّ، في الصّناعات مثل: الرّعاية الصّحيّة أو التّمويل، حيث يُمكن أن يكون للأخطاء عواقب وخيمة، فمن غير الواضح مَن الذي سيكون المسؤول عندما ترتكب أنظمة الذّكاء الاصطناعيّ، مثل ChatGPT أخطاء.وفي الختام، يقدّم ChatGPT العديد من المزايا من حيث الكفاءة والتّخصيص والفاعليّة من حيث الكلفة. ومع ذلك، فإن المخاوف الأخلاقيّة -مثل: أمن البيانات، والتّحيّز الخوارزميّ، وفقدان التّعاطف، والإفراط في الاعتماد على الذّكاء الاصطناعيّ، والمساءلة- تتطلّب دراسةً متأنّيةً وخطواتٍ مدروسة. ويشكّل تحقيق التّوازن بين فوائد الذّكاء الاصطناعيّ وهذه المخاطر أمراً ضروريّاً لضمان استخدام ChatGPT والتّقنيات المماثلة بمسؤوليّة وأخلاقيّة في مختلف الصّناعات والمجالات.* رئيس قسم الدراسات العامة بالجامعة الخليجية