لماذا كلما «تنحنح» الصيف معلناً بداية موسم القيظ، بدأ الحديث عن متأخرات الكهرباء والتلويح بقطعها عن الأسر الفقيرة؟؟
كالعادة، وفي مثل هذا التوقيت من كل عام، يكون وزير الطاقة عبدالحسين ميرزا رجل المرحلة بامتياز، فهو من يملك أن يعيشك في نعيم المكيف أو يجعلك تسبح في بركة من العرق.
الوزير قال في مجلس النواب: «إن حوالي 80% من المتأخرات هي لحسابات منزلية»، وأضاف: «متأخرات الأسر الفقيرة بلغت 8 ملايين دينار، وأن الهيئة تقوم بانتهاج معاملة خاصة لهذه الأسر في إجراءات الدفع»!!
وبغض النظر عما إذا كان الوزير يملك النية السيئة، ويلمح إلى قطع الكهرباء عن المتأخرين في السداد من عدمه، إلا أن ما قاله الوزير يمثل بالنسبة لي مزيجاً نادراً من التناقض، يفجر أمامي ثلاثة أسئلة، أولها، إذا كانت متأخرات الأسر الفقيرة بلغت 8 ملايين دينار، والذين يخضعون إلى معاملة خاصة من قبل هيئة الكهرباء والماء، فكم بلغت متأخرات الأسر «المقتدرة». وثانياً، هل يتم قطع الكهرباء عن تلك الأسر «المقتدرة» أم أن الهيئة تقوم بانتهاج معاملة خاصة معها؟
أما سؤالي الأخير فهو، إذا كانت 80% من المتأخرات هي لحسابات منزلية، فهل يعقل أن متأخرات الفنادق والتي لم تسدد منذ سنوات، بالإضافة إلى متأخرات الوزارات وباقي الهيئات الحكومية، والبساتين والشاليهات، تبلغ فقط 20 %؟
حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له.
حديثي هذا غير معني به الوزير الفاضل عبدالحسين ميرزا إطلاقاً، فالرجل محل احترام وتقدير خاص بالنسبة لي لمواقفه الوطنية التي يشهد لها القاصي والداني، ولكن نحن بصدد الحديث من منطلق التأكيد على مبدأ «المساواة في الظلم عدل»، وليس من العدل في شيء المساواة بين الفقير والمقتدر، بل من الواجب على المقتدر أن يكون أول الملتزمين بالسداد.
هذا ما يجب أن نقوله ونفعله، لأننا محاسبون أمام الله..
من قال إن حل مشكلة الأزمة الاقتصادية وانخفاض الميزانية وارتفاع الدين العام يتحمله المواطن الفقير فقط، ومن قال إن تنويع مصادر الدخل يعني خنق المواطنين واستهداف جيوبهم بالدرجة الأولى من دون الأغنياء!!
تنويع مصادر الدخل يعني تبني خطة وطنية شاملة، لبناء قاعدة تقوم على تحويل الاقتصاد من ريعي إلى إنتاجي، عبر دراسة تجارب الدول الأخرى ومن بينها المملكة العربية السعودية التي بدأت استرتيجية عملاقة بتنويع مصادر الدخل، بجانب دبي وسنغافورة وماليزيا، والاطلاع على الأسس البسيطة لكيفية إدارة اقتصاد دولهم المتعارف عليها عالمياً، والاستفادة القصوى من تجاربهم التي تصنف كتجارب عالمية، لمعرفة كيف استطاعوا التغلب على أزماتهم، بل تحويل تلك الأزمات إلى فرصة لنهوض اقتصادي وتمتينه، هذا إذا ما كنا بالفعل جادين في معالجة الأزمة والتخلي عن نظرية «التاجر لما يفلس يبحث في دفاتره القديمة».
استهداف جيوب المواطنين تارة، وحقوق المتقاعدين تارة أخرى، ورفع الدعم، وفرض ضرائب، هي رؤية قد تسهم نوعاً ما في تحسن الحالة لكن لن تشفي الحالة لأنها طرق علاج بالية وعقيمة، تماماً كالمصاب بمرض خطير ومهدد بالموت، ويرفض العلاج بالكيماوي، ومصمم على العلاج بالأعشاب الطبيعية.
لست من أولئك الذين يتحدثون كثيراً ولم يقدموا شيئاً للبحرين، مع مراعاة أننى لم أكن أبداً ولن أكون من أنصار نظرية «بدلاً من أن تلعن الظلام أشعل شمعة»، لأننى أؤمن بوجوب أن ترفع كفيك في الظلام وتدعو على كل من يستهدف جيب الفقير وتقول: «حسبنا الله ونعم الوكيل».