وقف الصحابة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم مع اجتهاد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حول توزيع الأراضي المفتوحة، وكان الخليفة عمر يهدف إلى العدل ومصلحة الأمة الإسلامية في ذلك الوقت وفي المستقبل.
شرح الإمام علي بن أبي طالب وجهة نظر عمر للمحاربين الغاضبين من عدم توزيع أربعة أخماس الغنائم من المال والأراضي عليهم، بأن عليهم أن يعلموا أن عمر يريد تحقيق الأهداف العامة للشريعة الإسلامية، وأن هناك نصاً آخر وضع الله فيه الحكم ثم ذكر علي بن أبي طالب، لهم سورة الحشر التي توضح كيفية توزيع ما تحصل عليه الجيوش الإسلامية بطريقة واضحة، وهي الآيات الكريمة «7 و8 و9»، قال الله تعالى «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إِن الله شديد العقاب «7» للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون «8» والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون «9».
اتفق رأي عمر مع رأي علي على أن هذه الآيات شملت جميع المسلمين فليس هناك أحد إلا وله حق في هذه الأموال والكنوز من الأراضي التي أصبحت تحت الحكم الإسلامي.
وبعد أن استشار عمر الأنصار والمهاجرين من أهل المدينة ومكة، ووافقوه الرأي، وقام عمر بفرض الجزية على أهل الديانات الأخرى في الدول المفتوحة التي رحبت بالإسلام، وذلك لأن هؤلاء غير ملزمين بالمشاركة في الفتوحات الإسلامية لنشر الدين الإسلامي، لكن إذا قام أحدهم بالمشاركة في الحرب تلغى عنه الجزية، بل إن عمر ألغى الجزية عن المسنين الفقراء من أهل الذمة ووفر لهم دخلاً من بيت المال.
ثم قام عمر بن الخطاب باستشارة علي بن أبي طالب، واتفقا مع الصحابة وبقية المهاجرين والأنصار على إبقاء الأراضي في الدول التي حاربت الجيوش الإسلامية مع أصحابها ليستثمروها، ويدفعوا ضريبة للدولة الإسلامية. أما الزكاة فقد فرضت على تجارة المسلمين وثمار أراضيهم في الدول الإسلامية. كان تقدير عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب أثناء خلافته واضحاً كالشمس يناقض كل ما يحاول تشويه هذه العلاقة الجميلة، والدليل على ذلك وضعه مستشاراً أول له خلال حكمه واستشارته في الكثير من الأمور التي تواجهه كخليفة للمسلمين منها.
* نفقات الخليفة عمر بن الخطاب
لم يخصص عمر بن الخطاب مرتباً له من بيت المال بعد أن تولى الحكم كخليفة للمسلمين وأمير للمؤمنين، حتى بدأ يضيق عليه عيشه، لأنه كان من قبل ينفق على نفسه وأسرته من التجارة التي كان يمارسها، لكنه بعد أن أصبح خليفة للمسلمين انشغل بشؤون الدولة، وترك تجارته.
فأرسل إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشيرهم فيما له من مال المسلمين لينفق على نفسه وأسرته. وأجابه عثمان بن عفان «كل وأطعم»، وأيده الصحابي سعيد بن زيد.
وسأل عمر بن الخطاب مستشاره علي بن أبي طالب: «ما تقول يا علي في ذلك». أجابه علي «ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف». لكن عمر قسى على نفسه وعياله وزوجته اقتداءً بالرسول الكريم.
وعندما لجأ عياله إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها، لكي يخفف عنهم حرمانهم من المال الذي كان ينهمر على المدينة من الدول التي دخلها الدين الإسلامي، رد عليها إنه في ما يصرفه يجب أن يكون مثل صاحبيه، الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وخرج إلى الناس وقال «أنا أقول لكم بما استحل لي من مال الله، هما حلتان، حلة في الشتاء وحلة في الصيف، وما أحج به واعتمر من الدواب، وقوت أهلي كقوت رجل من قريش، ليس بأغناهم وليس بأفقرهم، ثم أنا بعد ذلك رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم»، ثم أوضح قائلاً «إنني مع مال المسلمين مثل اليتيم، إن استغنيت عنه تركته، وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف». وكان ذلك القول أثناء انهمار المال والكنوز والذهب بغزارة على الدولة بسبب الفتوحات الإسلامية، لكن الخليفة عمر كان يريد أن يذهب إلى ربه خالياً من الذنوب، حيث إن القرآن الكريم ذكر أن المال العام للرعية وتنمية الدولة فقط لا للخليفة المسؤول عن هذا المال وأهله وسيحاسبه الله عليه يوم القيامة. يتبع.