لا زلت أذكر مقطع فيديو عن مجموعة أطفال يابانيين في مسابقة فردية نجح أغلبهم إلا واحد أعاد الأمر أكثر من مرة وفي كل مرة يفشل فيها كان يلقى تشجيع ودعم أقرانه المنافسين له إلى أن نجح. حقيقة أخذت أفكر لماذا هؤلاء الحمقى يريدونه أن ينجح وهو منافس لهم؟ هل هو محبوب منهم إلى هذه الدرجه؟ ياله من فتى، لعل والده مدير المدرسة أو المستثمر المالك، أو لعل والده أو والدته مربي الفصل أو مدرسهم، لعله تمت رشوة هؤلاء الأطفال بحبات أو قطع من الشيكولاته التي يحبونها أو ربما، ثم قلت في نفسي، لماذا كل هذه الأفكار السلبية؟ لعل مدرستهم أعطتهم تعليمات صارمة بأهمية مساندة بعضهم البعض.

الأمر لم يكن كذلك، إنها الثقافة اليابانية التي ترفض أعتبار الفريق ناجحاً إذا فشل فرد واحد فيه وعليه كان يجب على فريق المدرسة أن يدعم كل فرد فيه لكي ينجح الفريق وهو أرقى ممارسة لخلق روح فريق حقيقي يتميز بقدرة عالية على التوازن بين روح المنافسة والتكامل معاً، وهو ما عجزت عن تنفيذه معظم الممارسات الغربية للإدارة.

في الثقافة الغربية، المنافسة الفردية وتقدير قدرات الفرد تحظى بتوكيد وتعزيز كبير، ولا يرتبط فيها فشل فرد في الفريق بفشل الفريق بل قد يكرم الفريق إذا تمكنت مجموعة فيه من النهوض به وتحقيق النتائج المرجوة ويكرم البارزون فيه ولا يتم الالتفات بشكل هل تشكلت روح الكل في واحد والواحد في الكل؟

من المؤسف أننا في مدارسنا وأعمالنا وأسرنا وحياتنا الاجتماعية متأثرين بهذه النظره بشكل عميق، ولكن هل فعلاً ثقافتنا الأصلية أم نبات تم استزراعه في تربتنا «عقليتنا ونفسيتنا»؟ أعلم أن كثيرين ممن يقرؤون هذا المقال سيجيبون بالنفي وقد تصحب البعض حسرة، ولكن للحق هذه الثقافة في العمل مستزرعه فينا بوعي أو بدون وعي، دعوني أعود بكم إلى الوراء قليلاً إلى ثقافة «الربع» «بفتح الراء»، في الخليج وكنت قد تناولتها في مقالات سابقة في هذا العمود.

دعوني أعود بكم إلى الوراء أكثر، إلى أكثر من 14 قرناً من التاريخ، في غزوة الخندق عندما حوصر المسلمون في المدينة المنوره خرج عليهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ليقول لهم بعد أن أكملوا كل استعدادات المواجهة التي كانت متوفرة لديهم وتوزيع القبائل على جبهات المواجهة مع الكفار «دعونا نرى من أين سنهزم الآن» حينها انبثقت وتجلت أروع نماذج التنافس والتكامل معاً.

متى نعود إلى ذاتنا ونطور ممارساتنا الإدارية ولا نستزرع عقول الآخرين فينا؟

* استشاري تطوير أعمال وقدرات بشرية