في 23 أكتوبر، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في كلمة ألقاها عبر التلفزيون الرسمي الإيراني أن «مكانة إيران في المنطقة – الشرق الأوسط – أصبحت أكبر من أي وقت مضى»، وتابع متسائلاً «هل من الممكن اتخاذ أي قرار حاسم في كل من العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا والخليج (......) دون أخذ الموقف الإيراني في الاعتبار؟».

كلام روحاني هذا جاء في ردّ على تصريحات ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكية، عشية زيارته للرياض، حيث كان قد اعتبر أن عراقاً قوياً «سيعالج من بعض النواحي بعض التأثيرات غير المنتجة لإيران». الولايات المتحدة هي الأخرى مسؤولة عن قدر لا بأس به من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. لكن لتيلرسون مبررات تدفعه لانتقاد سياسة طهران الخارجية.

الإمبراطورية الفارسية

للفرس نزعة مؤسفة للتوسع غرب أراضيهم وهي تعود إلى حقبة الإمبراطورية الأخاميدينية من القرن السادس إلى القرن الرابع قبل التاريخ الميلادي. في ذلك الوقت كانوا قد استحوذوا على الأراضي الممتدة من «بلاد الرافدين» وصولاً إلى ليبيا. إمبراطورية أسقطها الإسكندر المقدوني. لكنهم أعادوا تشيدها في العهد الساساني في بداية القرن الثالث للميلاد. تمدد الفرس من جديد حتى وصولوا إلى مصر. ما برح بهم الأمر إلا أن تقهقروا فتراجعوا إلى بلاد الرافدين والأراضي العربية في جنوب الخليج.

جاء الفتح الإسلامي في القرن السابع ليهزم الفرس لكنهم ما فتؤوا يعيدوا بناء إمبراطوريتهم. إثر اعتناقهم للإسلام اختاروا إتباع المذهب الشيعي. لم يكتف الفرس بفرض بلادهم كمركز أساسي لهذا المذهب بل طوعوه أداة للتمدد السياسي. هكذا وبهذه الذريعة نمت الإمبراطورية البويهية «القرن العاشر والحادي عشر» ثم تلتها الإمبراطورية الصفوية «القرن السادس عشر إلى الثامن عشر». هذه الطموحات الإمبريالية لم تتضاءل مع الزمن لا بل تجاوزت الطبقة الحاكمة لتعم الفرس كافة حيث عرفوا بـ «إيرانيين» بكل نحلهم.

الإمام موسى الصدر وصعود «حزب الله»

إذا التفتنا إلى الماضي القريب، نجد أن اللبنانيين هم خير دليل على هذه الظاهرة، ففي الخمسينيات، حل عليهم الإمام موسى الصدر. وهو من أصول لبنانية، ولد الصدر في إيران، حيث تلقى قسطاً من دراسته، ثم انتقل إلى النجف في العراق. هذا الشخص العابر للدول كان قد أرسله إلى بلاد الأرز، شاه إيران، رضا بهلوي شخصياً، وليس من قبل طبقة رجال الدين، كما يظن البعض. كانت مهمة الصدر تقتضي بأن ينظم أمور السكان المحليين من الشيعة.

كان رجل ذو شخصية جذابة ويتمتع بثقافة عالية وعلى قدر عال من الدهاء. هكذا وبكل حذاقة عبد الطريق لـ «حزب الله». الكثير يعتقد أنه عمل على ذلك دون سابق تصور وتصميم، لكننا لسنا على هذا الرأي طالما الأسلوب في العمل يطابق ذلك الذي يعتمده النظام في طهران. في بادئ الأمر، أخذ يدافع عن قضية الشيعة الأكثر فقراً، خاصة أولئك في الجنوب على الحدود مع إسرائيل. وفي عام 1973 أنشأ لهذه الغاية «حركة المحرومين» معتمداً على الإعانة الاجتماعية للمحتاجين لجذب المناصرين. في عام 1975، أنشأ ميليشيا «أمل» حيث انشق عنها قسماً ليكون نواة «حزب الله» وكانت ولادته الرسمية عام 1985 بمبادرة إيرانية.

نجد تلك الإرادة الإيرانية لتوسيع رقعة نفوذها معتمدة على العنصر الشيعي في الشرق الأوسط وحتى في أفريقيا. نشهد هذه الظاهرة في شرق المملكة العربية السعودية وفي البحرين وفي أفغانستان وفي باكستان وفي مصر وباقي أفريقيا الشمالية. على نفس المنوال تلجأ إيران إلى الخلطة ذاتها: العقيدة الشيعية والعمل الإحساني والثورة الإسلامية.

بيد أن الشيعة غالباً ما يكونوا أقليات، ولكي تؤمن إيران سيطرتها على بلد ما، تعمد إلى تجنيد عناصر سنية، في لبنان مثلاً، حفزت إنشاء «سرايا المقاومة» التي تتألف من عناصر سنية للقتال إلى جانب «حزب الله». وفي أفغانستان شاهدتها شخصياً تذهب إلى أبعد من ذلك. وللحديث بقية.

* صحافي وكاتب فرنسي - مستشار مركز البحوث حول الإرهاب - باريس