القناعات والأخلاقيات لا تترسخ لدى الفرد هكذا، هي تحتاج لتأسيس صحيح، وتحتاج لمن يبذرها كنبتة صالحة داخل الفرد، ويعمل على تغذيتها وتكبيرها وتوجيهها بشكل صحيح.

وهنا أتحدث عن دور التربية في بناء الشخصيات وصقل الأشخاص، وللوالدين أثر كبير في تشكيل أبنائهما، بالتالي الأبناء الذين يكبرون ويتحولون لنماذج مشرفة في العطاء والأخلاقيات والمبادئ، غالبيتهم ستجدهم يرجعون ذلك لـ«تربيتهم الصالحة»، ولطريقة «تنشئتهم»، أي أنه باختصار سيشيرون للتعب الذي بذله أهلهم معهم.

لكن حتى هذه النوعية، وأعني «المتعوب عليهم» منذ الصغر، قد تجد بينهم «مختلفين»، كثيرون ينحرفون ويتركون المبادئ والأخلاقيات خلفهم، بعضهم يتغير بسبب المحيط حوله، خاصة المهني والاجتماعي، وبعضهم يغيره الكرسي والمنصب.

حديثي ليس عن الثبات على القيم والمبادئ، رغم أن الثبات عليها يكشف «المعدن الأصيل» للشخص، لكنه حديث عن «جرح مؤلم»، بات يتسبب به بعض المسؤولين، حينما لا يثبتون على المبادئ والأخلاقيات، سواء أكانت مفقودة لديهم منذ الصغر، أو أكانوا قد تخلوا عنها بسبب الأسباب المشار إليها أعلاه.

هذه الجرح المؤلم هو «الظلم» ولا شيء آخر، أسلوب معاملة يعاني منه الكثيرون بسبب «انعدام العدالة» عند بعض المسؤولين أو النافذين مجتمعياً، وحينما تجد الظلم يتحول لـ«نمط» لدى أي بشري، هنا أبشروا بكارثة تطال البشر الآخرين المتعاملين معه. بالتالي كان التشديد الإلهي في القرآن وما حث عليه رسولنا الكريم بنبذ الظلم، وكيف أنه ظلمات يوم القيامة، وكيف أنه تصرف يذهب الحسنات كما أخبر رسولنا، ضارباً أروع الأمثلة بشخص يصلي ويزكي ويقوم بكل العبادات، لكن حسناته التي يأتي بها كالجبال تتبخر وتذهب أدراج الرياح لأنه ظلم هذا وشتم ذاك وأكل حق آخرين، بمعنى الحديث الشريف.

تمر علينا قصص كثيرة، سواء عبر الحياة الإدارية لأفراد، أو حتى في الحياة الاجتماعية، إذ الظلم ليس محصوراً فقط في ممارسات مسؤولين معينين، بل حتى في الحياة العادية قد يمارس الظلم على الآخرين، وقد تسقط أنت نفسك في مستنقع الاستقواء على البشر فتظلمهم، بسوء معاملة أو تصرفات خاطئة، أو قد تكون حاجتهم عندك فتظلمهم بمنعها عنهم.

يحمد الله من تربى على مبادئ فاضلة، من والدين يعرفان الله ويخافانه، وأن ثبته ربه على هذه المبادئ، ليدرك منذ صغره أن «الظلم ظلمات»، وفيه يرد الله الدين للظالم في الدنيا قبل الآخرة. هنيئاً لمن وصل لمنصب عالٍ، وأدرك ما امتلكه من القوة والصلاحيات، لكن الحذر كل الحذر من ظلم البشر، لا لأنه لا يملك القدرة على الظلم، ولا لأنه إن كان مسؤولاً أو شخصاً قوياً عاجز عن استخدام المتاح لديه لظلم البشر، بل لسبب واحد فقط يتمثل في إيمانه بأن الله هو القوي الجبار، هو القاهر لكل «ظالم»، هو من يسلط الغضب والسخط على من يظلم البشر. أولم يكن فرعون قوياً نافذاً؟! أولم يكن قارون يملك خزائن الأرض؟! وغيرهم من أمثلة على أشخاص أقوياء بحكم ما يملكون لكنهم ظلموا الناس، فكانت عاقبتهم الربانية في الدنيا مثالاً لتفهمه الأجيال.

بالتالي هي نصيحة لوجه الله لأي مسؤول في موقع مسؤولية، لأي شخص نافذ في المجتمع، لأي فرد يمتلك تفوقاً من أي نوع على الآخرين، وقد يمنحه الله القدرة على التحكم بمصائرهم، نصيحة تتلخص في كلمة واحدة، «إلا الظلم»، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.

كم من ظالم وضع رأسه لينام ظاناً بأنه قوي وعظيم فقط لأنه يلعب بمصائر الناس، في وقت يرفع الناس أكفهم في ساعات الليل لمن هو أقوى منه، لله العظيم، يدعون على من ظلمهم، ويتمنون له العاقبة في نفسه وبدنه وماله.

إلا دعوة المظلوم، هي دعوة لا ترد، وعاقبتها في الدنيا قبل الآخرة، ولمن طغى وتجبر لا تنسَ بأن جملة «حسبي الله ونعم الوكيل»، هي استنجاد من المظلوم بملك الملوك الجبار القهار، وكفى بالله وكيلاً.

أبعد الله عنكم الظلم وأهله، وقربكم من العدالة وأهلها.