قبيل عام 2011 حدث خدش في جدار اللحمة الوطنية في مملكة البحرين، وأذكر أن البعض استشعر هذا الخدش وسارع بما يستطيع أن يعالجه لكي لا يتطور أكثر ويندمل ويؤثر على باقي أعضاء جسد اللحمة الوطنية التي هي صفة أصيلة في شعب البحرين، إلا أن الظروف كانت أقوى من علاج الجرح، وتفاقمت الأحداث والتدخلات الخارجية وحدث ما حدث في عام 2011.

ما حدث عام 2011 هو جريمة في حق الوطن، هذا الوطن الذي كنا نتفاخر كل يوم بتنوعه على كافة الأصعدة الثقافية والدينية والمذهبية والأيديولوجية والأصولية. هذا الوطن الذي كان يرى في تنوع مكوناته ميزة إضافية تجعله مثالاً يحتذي به.

وبعد عام 2011، وبعد محاولة إدارة الدولة لملف الأزمة السياسية التي فازت بها الدولة باقتدار لقدرتها على المحافظة على كيانها رغم أنف العابثين والملفات الخارجية التي كانت تنوي أن تكون البحرين امتداداً لبعض الدول ويحدث بها من الخراب ما حدث للأسف في بعض الدول العربية التي هُدِمت بأيدي أبنائها الذين توهموا أن الديمقراطية تكمن في التغيير السياسي دون وعي وإدراك بآليات هذا التغيير ودواعيه ومراحله وطرقه الشرعية التي تحقق الرفعة والرخاء للوطن والمواطن، وليس «بالثورات» المزعومة القائمة على الدمار والتخريب والنهب والسرقة والتفرقة!! مؤلم هو ما حدث في عالمنا العربي، فعندما ترى كيف مزق بعض المواطنين أوطانهم متوهمين بأنهم بـ«ثوراتهم» المزعومة سيحققون مستقبلاً أفضل، وتراهم اليوم يصارعون الموت والخوف والجوع ويتمنون لو يعود بهم الزمان ليكفروا عن أخطائهم الجسيمة في حق أوطانهم..

عندما تعود بي الذاكرة إلى الوراء، وأذكر ما حدث عام 2011 أحمد الله جلت قدرته على حفظ المملكة وأحمد الله على حنكة وقدرة القيادة البحرينية على احتواء وإدارة هذه الأزمة التي بدأنا نتشافى منها، فلا بد أن نعترف بحقيقة صعوبة تحقيق منجزات في ظل عدم الاستقرار، وعلى الرغم من ذلك أخذت الدولة على عاتقها ضرورة أن تواصل وتجتهد من أجل المواطنين، لدرجة أنني أحمل «الانقلابيين» الوضوع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه، فعندما تضطر الدولة إلى حفظ الأمن في الوطن، يجب علينا أن نعي أن باقي الملفات لن تحظى بنفس ما كانت تحظى به من اهتمام قبل الأزمة.

وكما ذكرت، بدأت الصحة تدب في جسد الوطن، ولكن الجرح مازال غائراً في جسد اللحمة الوطنية، وهذا ما انتبهت إليه وزارة الداخليه بحسها الأمني العالي، ولم أستغرب مطلقاً من إعلان وزير الداخلية مبادرة تعزيز اللحمة الوطنية التي هي عبارة عن مبادرة شاملة للانتماء الوطني ترتكز على خمسة عناصر هي: «التشريعات والأنظمة - المناهج والمقررات - المطبوعات - حملات العلاقات العامة - وبرامج الانتماء».

وها هي الفرصة مواتيه لكل مواطن حق يريد أن يرد الجميل لوطنه، فليشارك ليس بهدف الفوز بل بهدف إعادة اللحمة الوطنية التي عشنا وتربينا عليها منذ قديم الأزل.

أعتقد أنه يجب على الجميع المبادرة لتعزيز الولاء والمواطنة وترسيخ القيم الوطنية، كل حسب مجاله، الفنان بفنه، والعازف بألحانه، واللاعب برياضته، والكاتب بمؤلفاته، والمعلم بما يزرعه في عقول أبنائنا الطلبة، حتى ربة البيت لها دور من خلال تربية أبنائها على الولاء وترسيخ قيم المواطنة.

عندما سمعت بمبادرة معالي وزير الداخلية، وضعت عدداً من الأفكار لتنفيذها ليس بهدف الفوز بالجائزة، بل لإيماني بأن الوطن هو الفائز الأكبر، ولإيماني بأن هذا الدور هو دور وطني بامتياز، فمن منا لا يرغب في أن يعيش في وطن يحتضن كل أبنائه دون تفريق أو تميز بسبب دين أو أصل أو لون، أو عرق؟!

فلنتوحد، لنتعايش، ليحترم كلٌ منا الآخر، دون تشكيك أو تخوين، ولنتجاوز آلام الماضي، ولنبدأ صفحة وطنية جديدة نسطر أجمل سطورها، ولنبدأ بتقبل الآخر ومد يد العون له ولنزرع بذرة المواطنة الصالحة في النشء عبر مناهج تربوية مبنية على أساس وطني عميق، ولتبدأ القنوات التشريعية بسن قوانين تصب في صالح اللحمة الوطنية، ولنبدأ حملات علاقات عامة، شعارها «أنا بحريني» وأنتمي لحزب الوطن فقط، ولنعد تفاخرنا بوطنيتنا.

ليس هذا وحسب بل إن على الإعلام الرسمي والشعبي أن يشارك في هذه المبادرة الوطنية عن طريق تسخير الإعلام لكل قنواته في صالح تعزيز الانتماء والمواطنة.

بالإضافة إلى ضرورة دعم القطاع الخاص لجميع المبادرات الرامية إلى ترسيخ قيم الوطنية والانتماء، وهذا أقل فعل يقوم به «التجار» لرد الدين لهذا الوطن الذي وقف معهم في أشد الأزمات الاقتصادية، وساهم من أجل انتعاش السوق الاقتصادي لكي يتفادى تعرضهم للخسائر.

البحرين، رغم كل شيء تظل أغلى الأوطان وأثمنها، وهي الأرض التي يأمل أي مواطن مخلص في العيش والموت على ترابها، هي رغم كل الظروف تظل الأعز والأغلى والأجمل، هي رغم كل ما نعانيه تظل الوطن الحامي الذي لا دفء كدفئه، هو الأم التي قد نزعل منها أحياناً ولكن نأبى أن نفترق عنها، البحرين هي هذا الصدر الحنون الذي يجمع على أرضه «أطيب شعب» و«أعز شعب».. فلنتلاحم لأجل هذا الوطن.