في إطار رؤية البحرين 2030، تسعى مملكة البحرين للتحول إلى «مدينة ذكية». ومازالت جهود هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية واضحة في استحداث وتطوير الكثير من الخدمات لتصبح إلكترونية وسهلة الوصول لأكبر شريحة من الأفراد والشركات والمؤسسات في الدولة، وذلك لتقليل تكلفة التشغيل، وتحسين جودة الحياة، والحرص على تخطيط المدن الذكية الجديدة.

لنقف هنا ونبين المقصود بـ «مدينة ذكية»، فهل المعنى يتركز على توفير الخدمات إلكترونياً؟ لا، بل المعنى يتعدى ذلك بدرجات ليصل بالمدن الذكية إلى القدرة على التواصل بين إشارات المرور تحاشياً لأزمات واختناقات مرورية، أو تنبيه ربة الأسرة قبل نفاد أنبوبة الغاز، وإشعارها بكمية الغاز المتبقية تجنباً لعدم القدرة على إتمام عملية الطبخ، أو إيجاد أقرب موقف يلائم حجم السيارة.

فقد عرف الاتحاد الدولي للاتصالات ITU المدينة الذكية على أنها مدينة مبتكرة، تستخدم تقنيات المعلومات والاتصالات، إضافة إلى وسائل تقنية أخرى، من أجل تحسين جودة الحياة، وتطوير كفاءة أعمال المدينة وخدماتها، وتعزيز قدرتها على المنافسة، مع تأكيد فاعلية استجابتها لمتطلبات الأجيال الحالية والمستقبلية في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وكذلك الثقافية. من هنا يأتي الحديث عن مدى جاهزيتنا لتطبيق هذا المفهوم، خصوصاً أن مملكة البحرين قطعت أشواطاً في تطبيق برامج الحكومة الإلكترونية.

فقد أظهرت نتائج تقرير الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية 2016 ترتيب مملكة البحرين المتقدم بين مثيلاتها في المنطقة. إذ حصلت مملكة البحرين على الترتيب الـ 24 في جاهزية الحكومة الإلكترونية على مستوى دول العالم، وعلى المركز الأول عربياً، وكذلك حافظت على المركز الأول على مستوى المنطقة، لتليها دولة الإمارات العربية المتحدة، ثم دولة الكويت، فالمملكة العربية السعودية، ودولة قطر، وسلطنة عمان على التوالي. والسؤال هنا: وما فائدة الانتقال إلى مدينة ذكية؟ والجواب باختصار هو الوضع الاقتصادي العالمي والذي يدفعنا للتفكير بطرق جديدة تهدف إلى تحسين جودة الحياة بخفض التكلفة، والارتقاء بالأداء، وزيادة العوائد، وذلك كله لمواكبة التطور التكنولوجي العالمي، والارتقاء بمملكتنا الحبيبة لتصبح في مصافِ الدول المتقدمة.

ويبقى الجانب المهم وهو الاستمرار في رفع الوعي بين الأفراد ومؤسسات الدولة لزيادة ثقتهم في الدور الذي يمكن أن تلعبه تكنولوجيا الاتصالات، وما تتيح لنا من تيسير للأمور الخدماتية. لنكن صريحين، فمازال الكثير من الأفراد في مجتمعنا يرى أن دفع فواتير الكهرباء وتخليص المعاملات الحكومية باليد أكثر ضمانا من الدفع إلكترونيا، أو بالذات عن طريق الهاتف النقال. فهنا نحتاج إلى تعزيز ثقة المستخدم وتوفير خدمات إلكترونية في بيئة آمنة محمية قانونياً، وتثقيف المستخدم بما يمكن أن يواجهه من صعوبات وجرائم إلكترونية.

فمن ضمن ركائز المدن الذكية هو «إنترنت الأشياء»، ويقصد بـ«الأشياء» هنا أي شيء يمكن أن تلتصق به وحدة معالجة وخاصية اتصال بالإنترنت، ولا يتوقف المفهوم عند الأجهزة التي تعمل بزر تشغيل وإيقاف. هذه «الأشياء» بإمكانها أن تصدر قرارات بعد تواصلها مع بعضها البعض عبر الإنترنت من دون تدخل الإنسان. فهنا يعتبر الفرد مستهلكا فقط، والأشياء تخطط وتنفذ له. تواصل الأجهزة في المدن الذكية يكون عبر الإنترنت والبيانات المخزَنة في حوسبة سحابية والتي تصل الأجهزة مع بعضها البعض لتساعدها على تبادل البيانات المخزنة ومن ثم تحليلها واتخاذ القرار المناسب والمتوافق مع أوامرك السابقة للأجهزة. ففي المدن الذكية ممكن لثلاجتك أن تشتري الطعام إلكترونياً باستخدام بطاقة ائتمانك، وممكن لسيارتك أن تقود نفسها إلى وجهة عملك، بل يتعدى المفهوم الفرد ليخدم شركة زراعية ذكية تتم إدارة عمليات الري والحصاد فيها بشكل آلي من دون أي تدخل بشري.

العيش في المدن الذكية و«إنترنت الأشياء» يجعل الحياة أسهل، ويصل إلى حدود غير مسبوقة في المستقبل. ولكن إذا كان كل شيء سوف يصدر بيانات ويخزن ويحلل فأين يكون مصير هذه البيانات الضخمة، وكيف يمكن الحفاظ عليها، خصوصاً البيانات الشخصية أو الحساسة؟! هذا ما سنتناوله في مقال لاحق.

* أستاذ مساعد بكلية تقنية المعلومات - جامعة البحرين