أسعدتني كمية الإيجابية والتقبل لفكرة المقال السابق عن «المدينة الذكية»، والتي أراها في المستقبل القريب رأي العين. كمية الحماس من القرّاء تؤكد حجم الوعي والتقبّل العاليين، بما يسمح لأفراد مجتمع مملكة البحرين التماشي مع تطور التكنولوجيا. كما تم توضيحه سابقاً، فإن البيانات الضخمة Big Data أصبحت واقعاً نعيشه، حتى إنه تم اعتماد المصطلح وإضافته إلى قاموس أوكسفورد مؤخراً. ولا بد من التفهُّم بأن الضخامة تعتبر نسبيّة، فما كان يعتبر ضخماً ومتطوراً قبل خمس سنوات فقط، أصبح ضئيلاً في يومنا الحالي، وكذلك ما نقدّره اليوم بأنه ضخم فسيتغيّر حاله بعد مدة. فعالم التكنولوجيا عالم خفي بما يحمله من مستجدات وتغيُّرات سريعة.

التعامل مع أنواع متعددة من البيانات من نصوص وصور وأرقام.. إلخ، يبرز تحديات أمام أدوات إدارة قواعد البيانات التقليدية في التعامل «تخزين، فرز، استرجاع، معالجة»، مع البيانات المتنوعة والسريعة، حيث كانت قواعد البيانات التقليدية تتعامل مع المستندات النصية والأرقام فقط، أما البيانات الضخمة اليوم تحوي أنواعاً جديدة من البيانات التي لا يمكن تجاهلها، كالصور والمقاطع الصوتية والفيديو والنماذج ثلاثية الأبعاد وأبعاد المواقع الجغرافية وغيرها الكثير. وقد تشتمل البيانات الضخمة جمع وتحليل البيانات الشخصية عن الأفراد، والمعلومات السكانية، والأنشطة التجارية والحكومية والعسكرية، واستهلاك المياه، والطاقة، والمدخلات على شبكات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني.

السؤال هنا: ماذا نحتاج، ولماذا؟ الجواب ببساطة، إننا نحتاج إلى أشخاص يعرفون ما يعنيه العمل مع بيانات ضخمة وكمية الثروة المعلوماتية التي ممكن من شأنها تطوير شتى الخدمات المقدمة على مختلف الأصعدة، فقد أثبتت جدارتها على مستوى المجال الصحي والاقتصادي والأمني. فعلى سبيل المثال، فإن غالبية المتاجر الضخمة والأسواق التجارية التي تتعامل مع بطاقات الولاء، لا تستفيد من هذه البيانات وتعالجها بطريقة تساعدها على فهم المشترين بشكل أفضل لتطوير خدمة البيع والشراء. أهم استخدام لهذه البيانات هو الإحصائيات، ومن وجهة نظر المختصين فإن قوة الاستخدام تكمن في معالجة البيانات وربطها مع بعضها البعض لإنتاج معلومات تتيح من خلالها فهم وتقديم خدمات أفضل. فالبيانات الضخمة مصدر إلهام للباحثين لأنها تعطيك فرصة اكتشاف رؤى مهمة في البيانات.

مع كل هذه الفرص، فإن استخدام البيانات الضخمة يواجه تحدي حماية خصوصية الأفراد وبياناتهم الحساسة أثناء عملية المعالجة، والاحتفاظ بهذه البيانات مخزَّنة. فعلى الرغم من فعاليتها في إنتاج فرص كثيرة فإنه لا بد من حماية العناصر الأساسية لحقوق الإنسان لتحقيق ما تتيحه البيانات الضخمة من فرص. فيجب وضع تدابير الحماية السليمة للبيانات بما يمنع إساءة استخدام البيانات أو سوء استخدامها.

وهناك كذلك مخاطر التحيّز بين من يملكون البيانات ومن لا يملكونها. فلا يخفى علينا حجم البيانات التي تمتلكها شبكات التواصل الاجتماعي من أمثلتها شركة «فيسبوك». ففي شهر مارس الماضي حاول مؤسس موقع «فيسبوك» احتواء فضيحة شركته في تسريب بيانات 50 مليون مستخدم وتسريب البيانات الشخصية للمشتركين على صفحة «فيسبوك». كان هذا التسريب لصالح شركة أبحاث قامت بدورها باستخدام البيانات لمصالح سياسية في حملات انتخابية. وبعد هذه الحادثة أعلن مدير «فيسبوك»، ولاحتواء الفضيحة، عن خاصية جديدة تتيح للمستخدم رؤية من يحاول الوصول إلى بياناته الشخصية ومنعه من ذلك. بغض النظر عن الأسباب والجهات المسرِّبة لها، فهناك العديد من الإجراءات التي ينبغي اتخاذها، بما في ذلك بناء قدرات جميع البلدان وعلى وجه الخصوص البلدان الأقل نموّاً في مواجهة تحدي حماية خصوصية الأفراد وبياناتهم الشخصية.

* أستاذ مساعد بكلية تقنية المعلومات - جامعة البحرين