رغم الحرب الدائرة في أوكرانيا فإننا نسمع ونشاهد أن هناك مفاوضات تجري بين الجانب الروسي والجانب الأوكراني، ولا يوجد حل لهذا النزاع غير المفاوضات، وهكذا أغلب الأزمات الدولية على الأقل منذ منتصف القرن العشرين كانت وستظل المفاوضات هي الوسيلة الأهم لحل أعقد القضايا وأكثرها صعوبة، ليس دولياً فحسب، لكن حتى في القضايا المحلية على اختلافها. المفاوضات والوساطة كوسائل لحل النزاعات غالباً ما تهتم بالبواعث والمسببات والحالة النفسية للأطراف المتنازعة، لذلك سواء كانت المفاوضات أو الوساطة دولية أو محلية في الغالب الأعم تكون سرية، أي يمنع نشر ما يدور بين الأطراف.

على المستوى الدولي ومن التجارب الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وطوال فترة الحرب الباردة،بين الترسانتين المدمرتين السوفيتية والأمريكية وفي أحلك الأزمات كأزمة حصار برلين 1948م أو الصواريخ الكوبية 1962م كانت القدرات الدبلوماسية للطرفين لا تقل أهمية وقدرة من الترسانة الحربية، وجنبت العالم دماراً شاملاً وخطر زوال الحياة كما نعرفها. فالذي لا يمكن التفاوض بشأنه لا يمكن أخذه بالقوة أو الحرب، هذه لغة العصر والتحضر، وإن كانت الدول العظمى تختلق الأزمات وكأنه من باب حماية مصانع الأسلحة من خطر الكساد أو لأسباب إستراتيجية كالحاصل في الحرب الأوكرانية المؤسفة. إلا أنه من اللافت أنك تجد الدول تتنافس في استعراض عمقها التاريخي والثقافي أو قوتها الناعمة من خلال قدراتها الدبلوماسية والتفاوضية؛ فالتقدم لا يقاس بمجرد جانبه المادي إنما يقاس كذلك بالترسانة الثقافية، وبقدرة الشعوب على إنتاج المعرفة والعلم، والعالم الإسلامي مهيأ لأن يتبوأ هذه المكانة؛ فالسرديات الإسلامية تعتبر الأضخم كماً ونوعاً على مستوى العالم، والحضارة الإسلامية صحيح أنها ليست في الصدارة اليوم، إلا أنها خزان معرفي مميز، ربما ينقصنا منهجية التفكير العلمي لنتمكن من إعادة إنتاج المعرفة من تلك الذخيرة والإضافة عليها وتطويرها. والتاريخ الإسلامي مليء بمحطات دبلوماسية وتفاوضية مهمة ممكن الاستفادة منها ودراستها على سبيل المثال لا الحصر: صلح الحديبية سنة 6 هـ، و العهدة العمرية 16 هـ.